عام 1962، بعد اشهر قليلة من الثورة الانقلابية كنت من بين الرفقاء الذين نشطوا في العمل الحزبي بدءاً مع الرفقاء في المصارف، وقد كان عددهم كبيرا، الى ان توليت مسؤولية تنظيم الحزب في غربي بيروت ثم في بيروت الكبرى، التي امتدت من انطلياس الى برج البراجنة وصعودا الى الحدث والحازمية واللويزة.
في تلك الفترة، تعرفت الى الامين شكيب ابو مصلح (كان رفيقاً انذاك) وكان يملك مصبغة في جوار الارلكان (القنطاري- وادي ابو جميل).
وهو كان، الى الامينين محمد جبلاوي وماجد الناطور، من الرفقاء الذين نشطوا حزبيا، فكان احد ركائز العمل الحزبي في عائشة بكار، ومحلّه واسطة اتصال مع الرفقاء في تلك الحقبة من العمل السري.
لفتني في الامين شكيب سويته المناقبية، صدقه، ايمانه، اخلاصه للحزب، ومنذ ذك الحين توطدت علاقتي به، واستمرت على مدى سنوات، تزداد مودة ورسوخاً وتقديراً لمزاياه، حتى اذا انتقل الامين شكيب للاقامة في بلدته عين كسور وانقطاعي عن زيارته، تابعت الاطمئنان عنه عبر الاتصالات الهاتفية الى ان وافاه الاجل عام 2006، فانضممت مع الامين محمود عبد الخالق، الى العديد من امناء ورفقاء الغرب نسجل تقديرنا للامين شكيب وحزننا لرحيله.
*
•ولد الامين شكيب سليم ابو مصلح في بلدة عين كسور (عاليه) عام 1919.
•انتمى الى الحزب في 3/3/1937 بواسطة الرفيق سعيد صالح عبد الملك، في فترة تولي الرفيق فكتور اسعد حنا لمسؤولية منفذ عام بيروت. كان امياً، الا انه، وبتشجيع من المنفذ العام، التحق في مدارس ليلية يتعلم القراءة والكتابة، ومنشئا مكتبة خاصة تزيد على الستين كتابا.
•اقترن من الرفيقة وسيمة تلحوق. وكانت اول من يتولى مسؤولية مديرة مديرية عائشة بكار للسيدات، في فترة تولي الرفيقة فايزة معلوف مسؤولية المنفذة العامة(1)
•انجب الامين شكيب كلا من: نهاد، نجوى، راغدة، وليد وسمر.
من مسيرته الحزبية
في العام 1939، والحزب ملاحق، رغب ان يتحدى رئيس مكتب التحريات القاضي فرنان ارسانيوس(2)، مخالفاً التعليمات الحزبية التي كانت تقتضي توزيع كراس اعدته منفذية بيروت، بمناسبة الاول من اذار عام 1939(3) على المنازل والمؤسسات والمحلات التجارية بشكل سري. لذا تداول في الامر مع الرفيق شحادة رزق الله(4) في مكان عمل الرفيق فهد حريق(5) فرافقه الرفيق شحادة الى منزل أرسانيوس في الاشرفية الذي كان يجهل مكانه، وفيما بقي الرفيق شحادة خارج المنزل توجه الامين شكيب اليه، صعد الدرج، رنّ الجرس، وعندما فُتح له الباب، وسئل ماذا يريد، شاهد في تلك اللحظة القاضي أرسانيوس جالساً يتحدث إلى أحد ضيوفه، فدخل وهو يجيب سائله: " أريد ان أقدم هذه الهدية إلى حضرة الاستاذ أرسانيوس بمناسبة أول اذار عيد مولد سعادة زعيم الحزب السوري القومي الاجتماعي"، ثم سلمه الكراس يداً بيد، وانسحب. صدف في تلك الاثناء وجود التحريين اميل خير الله، وحسين نصر الله، فامكنهما اعتقال الامين شكيب والرفيق شحادة. حكم عليهما بالسجن لمدة شهر، وفي الوقت قرار فصل لمدة 6 اشهر لمخالفتهما التعليمات الحزبية.
دخوله الى الحزب الشيوعي
في اواخر العام 1938 كلفه الرفيق امين حمدان، من مكتب الاستخبارات في الحزب (عرف ب) باختراق الحزب الشيوعي. فنشر خبر استقالته من الحزب في جريدة "البشير" التي كان لها نزعة انعزالية لبنانية، ملتحقاً بالحزب الشيوعي.
عند الانتهاء من المهمة عاد الى انتظامه الحزبي.
•عام 1945 اوقف نشاطه الحزبي اعتراضاً على الاتجاه السياسي المخالف للعقيدة الذي انتهجته القيادة الحزبية في غياب سعادة. واستمر على موقفه الى ان عاد سعادة في اذار 1947 وكان حاضراً بين الحشود التي تقاطرت الى مطار بيروت ثم زحفت الى منطقة الغبيري لسماع خطاب العودة لسعادة، فقرر العودة الى الانتظام الحزبي، وفي نيسان من العام نفسه تولى مسؤولية مدير مديرية عائشة بكار.
•وفي العام 1947 تشكلت مديرية للسيدات، وكانت الاولى، فتولتها عقيلته الرفيقة وسيمة تلحوق.
•لم يتوقف الامين شكيب عن نضاله الحزبي في السنوات التي تلت استشهاد سعادة في تموز 1949، ففيها استمر العمل الاذاعي في منطقة عائشة بكار وبالتالي انتماء الكثيرين الى الحزب حيث بلغ عدد الرفقاء العشرات.
•يروي الامين شكيب في مقابلة له كيف عمل ورفقاء على نقل الرفيق حسين الشيخ بعد اطلاقه الرصاص على المدعي العام السيء يوسف شربل، من مكان آمن الى اخر، ثم كيف تعرض رتل الباصات العائد من رحلة نظمتها منفذية بيروت عام 1951 الى راس شمرا، في مدينة بانياس، وكيف تصدى لها الرفقاء، وتم توقيف ما يقارب الثلاثين شخصا من المهاجمين، وعام 1959 عندما كلّف بحمل رسالة الى عميد الدفاع الامين اميل رعد في ديك المحدي، فتوجه اليها سيراً على الاقدام، وصولاً الى تكليفه عام 1977 بادارة مستوصفات الحزب، حتى اذا انتقل الى عين كسور استمر في عمله الحزبي متولياً مسؤوليات في مديرية الرفيق الشهيد رياض صادق (عبيه).
•تقديراً لنضاله الحزبي الطويل منح الامين شكيب ابو مصلح رتبة الامانة عام 1977.
رفقاء من عائشة بكار
يورد الرفيق شكيب اسماء الكثيرين من رفقاء منطقة عائشة بكار، نذكر منهم:
خليل صبرا، فريد ابو مصلح، علي ابو مصلح، عبد الرحيم عودة، ماجد وفاروق الناطور، جان طوق، رستم فخران، ابراهيم حمدان، فؤاد سلامة، علي رضوان، خليل فخر الدين، سليم جمال الدين، عبد الحفيظ قنين، بدوي عبلة، عبد الحفيظ عبلة، عبد الوهاب عيتاني، عبد الحفيظ شبارو، محمد الحلبي، يحي التنير، سليم العشي، جميل جمال، منير زيتوني، محمد خضر الصعيدي، علي جزيني، جوزيف غدراس، امين وفريد خويص، خليل ابو مجاهد، جميل زرقوط.
وفاته
وافت المنية الامين شكيب ابو مصلح في 23/8/2006. وفي اليوم التالي شيعه حزبه واهالي بلدة عين كسور، والمنطقة، بحضور كثيف تقدمه نائب رئيس الحزب الامين محمود عبد الخالق. عميد شؤون عبر الحدود الامين لبيب ناصيف، منفذ عام الغرب الامين حسام عسراوي.
بعد أداء الصلاة القى الامين الدكتور غالب نور الدين كلمة صادقة عدد فيها فضائل الامين الراحل والتزامه النضالي المستمر حتى آخر لحظة من حياته.
*
لا بد، اذ نحكي عن الامين شكيب ابو مصلح، ان لا نغفل ذكر الرفيق المناضل رامز نصار، ورفقاء اخرين من عين كسور، رحلوا تباعا:
سامي ابو مصلح، مسعود ابو مصلح، نعيم ابو مصلح، فريد ابو مصلح، عارف حمد ابو مصلح، عارف سلمان ابو مصلح، عارف امين ابو مصلح، رامز ايو مصلح، عزت ابو مصلح، عاطف ابو مصلح ، شفيق ابو مصلح، ونذكر ايضا الرفيقين اللذين غادرا الى استراليا، خالد وعصام ابو مصلح وما زالا فيها.
رامز نصار
في كتابه سراديب النور (ص 212) يورد الامين شوقي خير الله عن الرفيق رامز نصار، فيقول:
" اقسم رامز يمين الحزب في 1 تشرين الاول 1952 في منزل كمال خولي، قرب الجامعة الاميركية، في راس بيروت. العرّابون الرفقاء فوزي معلوف، فضلو خولي، رجا بارودي(6).
يقول رامز: " أعود الى سنوات قبلاً. في ربيع 1947 حضر الى منزلنا حلمي معلوف(7) يرافق الزعيم انطون سعاده بهدف استئجار طابق في منزلنا. فجال فيه الزعيم، وتجوّل حول المنزل ولم يتمّ الايجار. علمت فيما بعد ان المنزل لم يكن جيداً من الناحية الامنية".
فوزي معلوف اول من اعطى رامز نصار كراسة المبادئ، قال له كالعادة: اقرأها وتفهّمها وانتقدها وقيّمها، وبعد ذلك نتباحث. لم يفهم رامز كثير شيء في أول الامر فلم يقبل الى الحزب ولم ينتمِ. ولكنه صديق مع الشلّة جميعاً، فظل يسمع ويستوعب احاديثهم المتمحورة حول محاضرات الزعيم التي كان يلقيها آنذاك والتي آصبحت المحاضرات العشر. ثم حصل الاغتيال البشع في 8 تموز 1949، فانهزّ وجدان رامز نصار وعاد يقرأ كل شيء صدر عن الزعيم وعن سواه. وانتهى الى أداء القسم. ولا ينسى رامز أنه التقى في 7 تموز 1949 بفوزي معلوف باكياً. سأله عن السبب: أجابه غداً سيعدمون الزعيم.
بعد القسم التحق رامز بمديرية راس بيروت الاولى مع شلّة من الرفقاء لبيب قدورة(8) ورشيد رسامني(9) وسواهما.
أول نشاط خارج المديرية كان يوم صودر رامز مع سيارته ليكون سواق المهمة الى الجنوب. الركاب عجاج المهتار، مصطفى عز الدين، ناصيف سماحة. انطلقوا الى ابل السقي وحوّلوا عند فؤاد ابي سمرة. اتصلوا من بيته بقوميي البلدة وجوارها وناموا عنده وانتقلوا في اليوم التالي الى مرجعيون ثم الى ميس الجبل ثم الى دير ميماس ثم الى ميمس. وفي كل محطة وبيت شروح وتوضيح وتدابير إدارية وتعيينات وتقوية معنويات.
في مرجعيون اوقفهم الدرك بتهمة العمل لحزب ممنوع وغير مرخّص. ما إن دخلوا القاووش حتى شلح عجاج الجاكيت ولفها مخدّة ونام كأنه في بيته. فقلّده رامز نصار كما لو كان هذا العمل جزءاً من المبادئ.
بعد الظهر بدأ الرقيب حرب بالتحقيق معهم فتسهلت القصة مع مصطفى وناصيف ورامز. إلا أنها تعقدت مع عجاج المهتار.
-انتم تقومون بنشاط لحزب ممنوع.
-عجاج: نحنا جايين نشق عازرعاتنا. السنة الماضية – عملوّل - بذرنا بذارنا واليوم بدنا نشوف شو نبّت وشو منزوع وشو هي الغلّة.
-وشو بدو يطلع بإيدكم ما زال زعيمكم راح؟
-راح احكيلك يا رقيب حرب.
-هات لنشوف!
-شبّ حريق بالغابة، وقف الاسد يتفرّج عاجزاً. ولفت نظره عصفورة كانت تعبئ منقارها ماء من بعيد وتأتي وترشه على الحريق المحتدم، فيما كانت حرباية تنفّخ القبّولة لتطفئها. أنتم راقبوا كالاسد حريق بلادكم، اما نحن فننقل نقطة ماء بمنقارنا وننفّخ لعلنا نساعد على اطفاء الحريق.
فتلعثم الرقيب ولكنه قال إن الحزب محلول وممنوع. فقال عجاج انه لا طاعة لمخلوق في عصيان مصلحة الامة. إذن أطعمونا وخلوّنا في سجونكم!!.
ونمنا يومين حتى وصل الرقيب نجيب قدورة، ابن عم اديب قدورة، وقابل النقيب فيليب عبد الساتر فافرج عنا في اليوم التالي.
هوامش
(1)هي الرفيقة فايزة بطرس معلوف، شقيقة الامين السابق فخري، الرفقاء رشدي، حلمي، الامين فوزي، وكمال ابو شعر. زوجة الرفيق فاضل انتيبا.
(2) كان منفذها العام الامين جبران جريج، باسم مستعار "احسان سالم". والكراس من 10 صفحات لسيرة سعادة والحزب.
(3) من بلدة زبوغا. كان يقطن ديك المحدي وتولى اكثر من مرة مسؤولية مدير مديريتها. انشأ عائلة قومية اجتماعية، من افرادها الرفيق قيصر.
(4)من بتغرين. كان يملك محلاً للخياطة الرجالية في مواجهة سينما اوبرا في ساحة الشهداء، الى جوار مكتب المهندس الامين ادغار عبود. بعد خروجه من الاسر عام 1969، تولى الامين مهدي عاصي ادارة المحل لفترة سنوات.
(5) تولى مكتب التحريات ملاحقة القوميين الاجتماعيين وتنظيم حملات بحث وتفتيش واعتقال.
(6)فوزي المعلوف الامين لاحقاً. منفذ عام الطلبة، رئيس خريجي الجامعة الاميركية.
كمال خولي من المناضلين القوميين الاجتماعيين. تولى مسؤولية منفذ عام حلب.
فضلو خولي – رجا بارودي: من الرفقاء الذين نشطوا جيداً في اربعينات وخمسينات القرن الماضي.
(7) عمل في الصحافة لسنوات طويلة. مراجعة البند الاول.
(8) شقيق الامين اديب قدورة: المنفذ، عميد الدفاع، عضو ورئيس المجلس الاعلى. نقيب الصيادلة .
(9) منح رتبة الامانة. تولى مسؤولية منفذ عام ليبيريا، ولاحقاً عميداً للمالية. احد اصحاب شركة رسامني ويونس للسيارت.
|