كان مقرراً للواء المشاة الأول من الجيش النظامي الشامي أن يتحرك يوم الخامس عشر من أيار 1948 من جنوب لبنان باتجاه المالكية ومنطقة الجليل. في اليوم نفسه تلقى قائده العقيد عبد الوهاب الحكيم أمراً بالعودة إلى الأراضي الشامية والتحرك من ثم جنوباً عبر هضبة الجولان، والدخول إلى فلسطين من جنوبي بحيرة طبرية باتجاه بلدة سمخ التي كان سكانها قد طردوا منها بقوة السلاح.
صباح 15 أيار هاجمت كتيبتان من الجيش الشامي القوات الإسرائيلية، إنما قوبل هجومها بنيران غزيرة إذ كانت قوات العدو قد أقامت موقعاً حصيناً دفاعياً قرب سمخ .
صباح اليوم التالي قصفت الطائرات الشامية سمخ والمستعمرات في الحولة، بالإضافة إلى القصف المدفعي كما تصدت قوة من الجيش الشامي لوحدات إسرائيلية قادمة لنجدة موقع سمخ في حين قامت سرية من الجيش معززة بالعربات المدرعة بالتقدم نحو مستعمرتي مسعده وشعار هاجولان.
في صبيحة يوم 18 أيار شنّ اللواء الأول هجوماً جديداً على الموقع الإسرائيلي المحصن قرب سمخ، فانسحب المدافعون عنه نحو مستعمرة دغانيا، وفي صباح اليوم نفسه دخله السوريون.
اعتقدت القيادة الإسرائيلية أن هذا هو اتجاه الهجوم السوري الرئيسي فدفعت إلى المنطقة تعزيزات جديدة وحشدت مختلف القوات المتوافرة عندها، حتى الحرس المحلّي للمستعمرات.
طلبت القوات العراقية من القوات الشامية القيام بهجوم خداعي باتجاه مستعمرة دغانيا لحماية الجانب العراقي الأيمن عند تنفيذ القوات العراقية هجومها غرباً نحو طولكرم. وتلبية للطلب العراقي شن اللواء الأول الشامي في الساعة 4,30 صباح 20 أيار هجوماً على مستعمرتي دغانيا-آ و ب. وحدد اللواء مهمة احتلال الجسر الكائن على نهر الأردن شمالي دغانيا– آ لإحباط هجوم إسرائيلي من طبرية على خطوط المواصلات العراقية .
انطلقت القوات الشامية نحو هدفها تتقدمها الدبابات والعربات المدرعة. وسرعان ما اخترقت دفاعات دغانيا– آ. ولكن قوات المشاة الشامية لم تتمكن من مجاراة الدبابات في سرعة التقدم، مما أتاح الفرصة للمدافعين لاستخدام قنابل المولوتوف والمدافع المضادة للدبابات والنجاح في صدّ الهجوم المدرع الشامي وتدمير عدة آليات في الوقت الذي تعرضت فيه المشاة لنيران الأسلحة الخفيفة فتوقفت في بيّارة ليمون على مسافة بضع مئات من الأمتار عن المستعمرة، وانسحبت الدبابات وفشل الهجوم.
عند ذلك وجهت القوات الشامية اهتمامها إلى دغانيا– ب، وتقدمت نحوها ثماني دبابات تحت حماية نيران الهاونات، ووصلت حتى مسافة 150م من دفاعات المستعمرة حيث توقفت لتغطي بنيرانها تقدم المشاة. ولكن هذه لم تكن كافية أو مجهزة للتغلب على نيران المدافعين. وبعد محاولتين فاشلتين لخرق الدفاع انسحبت إلى الوراء. وبعد ظهر اليوم نفسه وصلت إلى المستعمرة تعزيزات جديدة من صنوف الأسلحة المختلفة، ولا سيما المدفعية التي فتحت نيرانها بغزارة على القوات الشامية وأجبرتها على التراجع.
حاولت القوات الإسرائيلية أخذ زمام المبادرة فشنّت هجوماً ليلياً على المواقع الشامية في منطقة جسر بنات يعقوب، ولكنها صُدًّت بنيران غزيرة. ثم ساد الهدوء المنطقة .
في معركة دغانيا– أ استشهد بتاريخ 20/5 العريف الرفيق محمد شريف توفيق، وفي معركة دغانيا– ب استشهد بتاريخ 21/5 الوكيل الأول الرفيق فارس حمود الخطيب.
* * *
•يصف الجانب اليهودي معركة سمخ بالقول: " لقد ذقنا الأهوال في خنادقنا، فكانت الأبنية تتهاوى والاستحكامات تدمر، وقد قطعت النجدات فانسحبنا تاركين وراءنا عدداً من القتلى بينهم ثلاثة من القادة أحدهم قائد الحامية، ومن استطاع منا النجاة لا يستطيع أن يذكر كيف نجا.
•اشترك في معركة سمخ فوجان يقود الفوج الأول الرئيس أمير شلاش (وهو رفيق ومن بين أوائل العسكريين في الحزب).
("كتاب الحرب العربية الإسرائيلية 1948-1949 وتأسيس إسرائيل" للدكتور فلاح خالد علي)
سمـخ
___________
قرية سورية فلسطينية على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية إلى الشرق قليلاً من مخرج نهر الأردن منها. تبعد عن مدينة طبرية قرابة 11 كلم وتعد من أكبر القرى مساحة في قضاء طبرية وأكثرها عدد سكان.
وسمخ موقع هام على الشاطئ الجنوبي لبحيرة طبرية، فهي مركز مواصلات رئيسي يصل بين شرقي نهر الأردن وغربه، وبين المناطق الواقعة حول بحيرة طبرية وغور الأردن في الجنوب.
قامت سمخ في بداية القرن التاسع عشر على أثار بلدة قديمة وكانت معظم بيوتها مبنية من الطين، وبعضها من الحجر الأسود (البازلت) الذي يكثر في المنطقة المجاورة لسمخ في الجولان. وتنخفض سمخ 200 متر عن سطح البحر.
دمر الصهيونيون سمخ وأخرجوا سكانها منها عام 1948 وأقاموا مكانها في العام نفسه مستعمرة سموها
"تسيمخ".
* *
مشمار هايردن
ــــــــــــــ
في صباح 6 حزيران قام اللواء الثاني الشامي بهجوم مفاجئ عابراً نهر الأردن بهدف احتلال مستعمرة مشمار هايردن وإقامة رأس جسر على الضفة الغربية لجسر بنات يعقوب ومن ثم تأمين الاتصال بالقوات اللبنانية وقوات جيش الإنقاذ في منطقة المالكية، لكن الرمايات الإسرائيلية أحبطت عملية العبور. في الوقت ذاته تحركت كتيبة معززة من الجيش الشامي بقيادة المقدم سامي الحناوي، من بانياس باتجاه مستعمرة دان، لكنها توقفت بدورها بسبب غزارة نيران العدو الذي قام، إثر هجمات الجيش الشامي، بحشد مزيد من قواته على مقربة من مشمار هايردن.
في 10 حزيران شنّ الجيش الشامي هجوماً منسقاً ونجح لواء المشاة الثاني في خرق دفاعات العدو الإسرائيلي، واحتل ثلاث نقاط محصنة محيطة بمشمار هايردن، وتابع ضغطه على القوات الإسرائيلية، فيما نجحت المدرعات السورية في عبور النهر وتمكنت بالتعاون الوثيق مع المشاة من التغلب على المواقع المعادية المتقدمة، حيث دارت رحى معركة عنيفة انتهت بسقوط مشمار هايردن بعيد ظهر اليوم نفسه .
في هذه المعركة استشهد الرفيقان الملازم أول فتحي الأتاسي والجندي عزيز سليمان محمد.
* * *
اعتبر اليهود سقوط مستعمرة مشمار هايردن (كعوش) كارثة موجعة، لذلك عهدت القيادة العامة للقوات الإسرائيلية إلى "مردخاي ماكليف" أن يقوم بمحاصرة القوات الشامية المرابطة في تلك المستعمرة الواقعة على الضفة الغربية لنهر الأردن جنوب بحيرة طبريا، وعلى الطريق المؤدي إلى جسر بنات يعقوب .
ليلة 9/10 تموز كانت القوات العدوة على أتم الاستعداد للهجوم في أربعة أرتال، وقد دارت معارك طاحنة تكبد فيها الفريقان الخسائر.
في صباح يوم الثاني عشر من تموز تمكن الجيش الشامي من دحر قوات العدو وإجبارها على الانسحاب والتراجع إلى مستعمرة "حولتا" وكيبوتس دردرة، حيث تعقبها ودارت معركة عنيفة عند "بيارة الخوري" وأخرى عند قرية "ياردة" وقد خسر اليهود في هذه المعارك عدداً كبيراً من القتلى والجرحى.
بقي الجيش الشامي مسيطراً على هذا القطاع إلى أن بدأت مفاوضات الهدنة مع الجانب اليهودي في 5 نيسان 1949 وانتهت في 20 تموز 1949 فأعيد في الشهر نفسه أسرى "مشمار هايردن" إلى "إسرائيل"، وفي الثاني والعشرين من تشرين الثاني 1949 جلا الجيش الشامي عن مشمار هايردن (كعوش) والمواقع التي كانت بيديه .
استشهد في معارك مشمار هايردن، الثانية، الملازم أول الرفيق عبد القادر حاج يعقوب.
* * *
•يروي الرفيق أنور فهد في كتابه "أيام في الذاكرة" أنه كان والرفيق سماح طليع في عداد فوج المشاة الخامس الذي اشترك بتحرير مستعمرة مشمار هايردن التي استشهد فيها أيضاً الملازم أول نصرالله نادري .
ويقول أنه بعد تحرير المستعمرة أطلق عليها اسم "فتح الله" إذ اشتق فتح من اسم الرفيق فتحي الأتاسي والله من اسم الشهيد نصرالله، ويضيف أن الشهيد فتحي الأتاسي كان من أعضاء منفذية حمص، والشهيد حاج يعقوب من أصل شركسي وكان تعرّف عليه أثناء خدمته في كتيبة المدرعات الأولى.
•يورد اللواء محمد معروف في كتابه "أيام عشتها"، في الصفحة 46، ما يلي:
" أثناء الدورة كنت ألتقي بالرئيس عدنان المالكي والملازم فتحي الأتاسي، وكلاهما من أحسن ضباط الجيش وطنية وشجاعة وإقداماً. كنا نتداول في الشأن العام وفي عودة فرنسا عن وعودها باستقلال سورية ولبنان، وكل من المالكي والأتاسي استشهد لاحقاً، رحمهما الله، الأول اتهم الحزب السوري القومي بمقتله، والثاني استشهد في "كعوش" في حرب سنة 1948 حيث كان احتل مع سريته الخطوط الأمامية من المستعمرة، رحم الله فتحي الأتاسي فقد كان من الضباط السوريين الشجعان، وقد جمعتنا الأيام بعد الاستقلال في فوج واحد في اللاذقية بقيادة أديب الشيشكلي " .
* *
الرفيق الشهيد الملازم أول فتحي الأتاسي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-والده محمد إبراهيم الأتاسي .
-ولد في مدينة حمص عام 1914 .
-سمي فتحي تيمناً بأمل فتح قناة السويس عندما كان والده إماما لطابور عسكري مرابط في غزة .
-تلقى دروسه في اليسوعية، والتجهيز، ثم نال شهادة الباكالوريا من دمشق .
-انتمى إلى الحزب وهو في سلك الجندية عام 1944 .
-دخل إلى المدرسة الحربية في 10 أيلول عام 1938 وتخرج منها عام 1940 برتبة مرشح ضابط.
-رفع إلى رتبة ملازم في 15 شباط 1942 ثم لرتبة ملازم أول في الأول من كانون الثاني عام 1945.
-في أيام العدوان الفرنسي كان ضابطاً في قطعات حلب، وقد قبض عليه من قبل الفرنسيين وسجن مدة عشرة أيام بتهمة تحريض الضباط والجنود للالتحاق بالقوات الوطنية، ثم عين ضابطاً للعشائر في دير الزور، وبعدها نقل إلى طرطوس.
-أوفد في بعثة إلى إنكلترا عام 1947 لدراسة تنظيم المستودعات والتجهيزات .
-التحق بجيش الإنقاذ وكان يرابط بجهات صفد، وقد اتهم مع رفاق له بالقيام بانقلاب في الشام، وعلى أثر ذلك نقل إلى دمشق ووضع في سرية الميرة(1) .
-عندما تقرر الهجوم على مستعمرة "كعوش" كان في عداد الفدائيين المغاوير الذين وقع عليها الاختيار فالتحق في الجيش، وكأنه في موعد مع القدر. إذ في ذات اليوم الذي وصل به إلى جبهة الحرب تمّ الهجوم على مستعمرة "كعوش" فأصيب بجرح خطر، ونقل فوراً إلى دمشق، غير أنه لفظ أنفاسه مستشهداً وهو في الطريق بسبب نزف دمه .
-كان استشهاده في العاشر من حزيران 1948 .
* *
الرفيق الشهيد الملازم أول عبد القادر حاج يعقوب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-ولد الرفيق الشهيد في مدينة القنيطرة عام 1904 .
-انتمى إلى الحزب وهو في سلك الجندية عام 1944 .
-دخل إلى الجيش جندياً في الأول من أيار عام 1926 .
-رفع لرتبة عريف في أول تموز 1927 ثم لرتبة رقيب في أول تموز 1928، فإلى رتبة رقيب أول في أول آذار عام 1932 ثم لرتبة وكيل في الأول من شهر تشرين ثاني عام 1935، ولرتبة وكيل أول في الأول من نيسان 1939، ولملازم غير نظامي في أول تشرين ثاني عام 1944، وإلى رتبة ملازم أول في أول آذار عام 1948، أي قبل استشهاده بنيف وثلاثة أشهر.
**
كان الرفيق الراحل فؤاد مسوح(2) من بين الرفقاء الذين شاركوا في العمليات الحربية التي جرت في فلسطين عام 1948 وخاصة في القطاع الأوسط – جسر بنات يعقوب – بما فيها "معركة مشمار هايردن" وقد أصيب في معركة تل أبو الريش في 16 تموز 1948 .
عنه اصدر الرئيس أسعد إسماعيل آمر الفوج الخامس في عمليات مشمار وضواحيها هذه الشهادة بتاريخ 21/12/1948 :
" وكيل جريء شجاع قام بواجبه تحت قيادتي في جبهة مشمار خير قيام وبرز في ليل 13/14 تموز 1948 إذ ثبت لوحده على جناح الدفاع الجنوبي ثباتاً عجيباً استحق عليه إعجابي وتقديري إذ كنت ذهبت ليلاً لمقر الفئة فلقيته الوحيد وكلفته بالثبات فأذعن واحتفظ بمراكزه بالرغم من الهجوم الساحق .
رتيب يعتمد عليه في الشدائد مطيع مخلص لرؤسائه وطني أدى واجبه تجاه فلسطين خير تأدية يستحق التشجيع والترفيع أطلب ترشيحه لرتبة أعلى مكافأة له على أعماله وبسالته " .
- تولى الرفيق مسوح مسؤوليات محلية منها مدير مديرية الحرية في منفذية مرمريتا، وناظر تدريب المنفذية
وكان من بين الرفقاء الذين تخلوا عن الجيش الفرنسي وانخرطوا في الجيش الوطني وقاتلوا بقيادة الرفيق غسان جديد. تعرض للاعتقال وللسجن مراراً، أنشأ عائلة قومية اجتماعية منها الرفيقة بشرى مسوح منصور التي انتخبت في العام 2002 عضواً في مجلس الشعب عن منطقة حمص .
هوامش
__________
(1)الميرة : نظام يتعلق بتجارة المحاصيل الزراعية، كان موجوداً أيام الحكم العثماني واعتمدته
سلطات الانتداب الفرنسي. منعت بموجبه المواطنين من بيع محاصل القمح وكافة أنواع
الحبوب في الأسواق العامة وحصرت حق بيعه بها .
(2)والد الامينة الجزيلة الاحترام بشرى مسوح
|