دعا المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي مستورا من مجلس الأمن الدولي إلى اعتماد مقاربة جديدة لحلّ الأزمة السورية، تجمع بين إجراء محادثات حول مواضيع محدّدة بين السوريين، من ضمنها مكافحة الإرهاب وإنشاء مجموعة اتصال دولية. واعتبر دي مستورا في كلمة ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي منذ يومين أنه «لا توافق حول انتقال سياسيّ في سورية، إلا أن الأمم المتحدة مجبرة على مواصلة جهودها»، مضيفاً أنّ «بيان جنيف 1 هو الإطار الوحيد لإيجاد تسوية سلمية في سورية»، والأساس يبقى «تفادي ما حصل في العراق عندما تلاشت المؤسسات العامة».
كلام دي مستورا جاء خلال جلسة لمجلس الأمن بحث فيها نتائج المشاورات التي أجراها المبعوث الدولي. إذ شهدت الجلسة التي يمكن وصفها بالهامة تركيزاً على عدم وجود حلّ عسكري للأزمة السورية، وضرورة العمل على مكافحة الإرهاب في البلاد، وسط أنباء عن وجود اقتراحات دولية متعددة لتوسيع مروحة وهيكلية الاتصالات حول سورية. وعلى رغم أنّ البعض قد يرون في الحديث عمّا سبق أمراً غير ذي جدوى في ضوء التقدير الدولي الرسمي والمكرّر حول حتمية الحلّ السياسي في سورية منذ أكثر من سنتين. وفي ضوء فشل المبعوثين الأمميين السابقين. إلا أن ما قاله دي مستورا حول مكافحة الإرهاب وإنشاء مجموعة اتصال دولية حول سورية، يعكس وجود جهدٍ لإنضاج قاعدة ما لاجتماع الأطراف السورية في مؤتمر «جنيف 3»، وإن كان الحلّ بعيداً، إلا أنه من الواضح أن الاعتماد على مزاوجة بنود بيان «جنيف 1» الذي يشكّل قاعدة الحلّ الدولية المتفق عليها حتى اللحظة، هو البديل إن أرادت الأطراف الدولية المتصارعة في سورية أن تؤسس لقاعدة تلاقٍ إضافي في الملف السوري، وبهذا المعنى يمكن لحظ الأمور المستجدّة التالية:
ـ في المجال السياسي عموماً، يبقى كلام الرئيس السوري بشار الأسد حول عدم امتلاكه عناصر مشجعة لوجود حلٍّ سياسي للحرب على سورية في المدى المنظور، هو الإجابة الأهم عن تساؤلات المراقبين قبل الشارع في سورية تحديداً، لكن تجدر الملاحظة أيضاً إلى أن الرئيس وربطاً بالرهان على الجيش والشعب في سورية الموحدة، رحّب بأيّ مبادرة من شأنها أن تحقن دماء السوريين، حتى ولو لم تؤدِّ إلى الحل المرجوّ. هنا يفسح الرئيس في المجال أمام أيّ جهدٍ دوليّ لبلورة أسس وقواعد للحلّ.
ـ الأطراف المتصارعة في سورية وحولها وداخلها لم تتراجع عن مواقفها المعلنة. فما يسمى بـ«المعارضة السورية» ابتداءً من «الائتلاف التركي» ومروراً بـ«هيئة التنسيق» الممزقة بين عواصم صنع القرار، ترى في «هيئة الحكم الانتقالي» أساساً للحلّ. بينما الرئيس السوري بشار الأسد ربط المضيّ بأيّ حلّ سياسيّ بمكافحة الإرهاب وإنهائه. هنا يقترب الرئيس من موسكو وطرحها حول تحالف تركي ـ سعودي ـ سوري ـ أردني لمحاربة «داعش»، بينما تقترب «هيئة التنسيق» أكثر فأكثر من «الائتلاف»، وبالتالي من الطرح الأميركي المصرّ حتى اللحظة على عبارة «لا وجود للأسد في مستقبل سورية».
ـ إن الاتفاق الإيراني مع المجموعة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية سيؤسّس لقواعد اشتباك جديدة على مستوى المنطقة. وعليه، فإن وجود توجّه دولي لعقد جولة جديدة من المحادثات بين الأطراف السورية تحت مسمّى «جنيف 3» غير مستبعد في ضوء التطوّرات الأخيرة، إنما من دون أن يعني ذلك وجود حلّ، بل يبدو أن «جنيف 3» سيؤسّس لحضور إيران بشكل رسمي المنابر الدولية المعترف بها غربياً وتحديداً أطلسياً لصوغ أيّ حلّ مستقبليّ في ما يخصّ سورية.
ـ المزاوجة التي يعبّر عنها دي مستورا في كلامه والتي تجمع بين التأكيد على مكافحة الإرهاب والمضي في الجهد القائم على استحصال توافق من الأطراف السورية على «صيغة المرحلة الانتقالية» يبدو التطور الأهم الذي يلخص المسار السياسي المرسوم للحل السوري، وهو مسار تفسير بيان «جنيف 1» على قاعدة اللاحسم العسكري الواضحة على الأرض، فأي طرف من أطراف الصراع في سورية غير قادر حتى اللحظة على حسم الحرب لمصلحته، وبالتالي يبدو أن السياسة في المرحلة ذاتها، أي محاولة جمع المتناقضات في الأولويات عبر المزامنة بينها ولو في السياق الرسمي للطرح العلني الأممي للمبعوث الدولي إلى سورية، وهو ما يحاكي هذا الانقسام القائم بين «جنيف 3» أو «موسكو 3»، مع أن الاثنين لا يزالان على قيد الحياة.
لا يبدو الحلّ في سورية قريباً، فالولايات المتحدة مرتاحة لاستراتيجية الاستنزاف بينما سقف حربٍ من نوع كهذا يبقى مفتوحاً وغامضاً. ولذلك نرى أن الحلول والتحوّلات في الحرب السورية لا تأتي في سياق منطقيّ متسلسل بقدر ما تأتي بشكل مفاجئ قد يكون خبراً في صحيفة على نمط ما جرى في تقرير «وول ستريت جورنال» الأميركية التي أعلنت عن اتصال بين الرئيسين الأميركي والتركي تمّ بموجبه الاتفاق على «فتح قاعد إنجرليك» أمام تحالف أوباما لمحاربة «داعش»، بعد رفضٍ تركي لم تظهر بوادر أي تراجع فيه على امتداد سنواتٍ أربع. وعليه فإن الجهد السياسي في ما يخص سورية قد يشكل اختراقاً في إطار إعادة صوغ أوراق التفاوض وأطرافه عبر المزاوجة وتعدّد المبادرات، من دون أن يعني ذلك أن الحلّ أضحى ناضجاً.
|