لم تكن للهدنة الروسية ـ الأميركية في سورية أن تبصر النور ليل السابع والعشرين من شباط الماضي، إلا على حساب حلب واستثنائها من التقدّم الميداني الكبير للجيش السوري والقوات الرديفة مدعوماً بعاصفة السوخوي. فالشرط الأول والأساس كان انكفاء السوخوي عن سماء حلب، وبالتالي إجبار الجيش العربي السوري على التوقف في المناطق التي استطاع تحريرها، وبقاء الكيلومترات القليلة التي تسمّى طريق الكاستيللو خارج السيطرة، وبالتالي ضمان استمرار الدعم التركي للجزء الشرقي المحتل من مدينة حلب.
المنطقة المحرّمة:
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لحظ وضعية عاصمة الاقتصاد في سورية كان يجري عبر تحليل سياسي واقتصادي ووفق المؤشرات والأرقام والإحصاءات لأهميتها. لكن تحرّك جبهة شمال سورية وشمال شرقها أدّى إلى ظهور مصطلح يقول إنّ وضع المدينة «معقّد دولياً»، وبالتالي الغمز من قناة عدم القدرة على معالجة مأساتها إلا ضمن قرار دولي بالحل سواء بشكل شامل، أو الاتفاق على تقاسم مناطق النفوذ في سورية وفق اقتراح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، إذ قال: «اقترحنا وضع خطّ فاصل معناه أنكم لا تذهبون إلى هنا ونحن لا نذهب إلى هناك، أما في ما بينهما فسيكون اللعب نزيهاً». وفي كلتا الحالتين فإن العبث بالتوازن الميداني في المدينة المقسّمة منذ عام 2012 محرّم.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في معرض ردّه على نظيره الأميركي قال إن واشنطن لم تنفّذ تعهّداتها بالضغط على «الفصائل المعتدلة للانسحاب من مناطق تواجدها المشترك مع جبهة النصرة»، أما رئيس وفد سورية إلى جنيف فقد غمز من قناة عدم قدرة السعودية والأردن حتى اللحظة على الخروج بقائمة التنظيمات الإرهابية في سورية، وهو ما تدفع ثمنه حلب التي تتعرّض منذ أسبوعين لقصف مركّز ومحاولات تغيير للتوازن الميداني وخطوط التماسّ العسكرية وفق خطّة تهدف إلى نقل العمليات العسكرية من الريف إلى المدينة، إدراكاً من المجموعات المسلّحة والدول الداعمة لها بالتعقيدات التي تفرضها حرب المدن على الطرف المقابل، واللعب بورقة الرأي العام في حلب، خصوصاً في الأحياء الغربية التي لا تزال تحت سيطرة الدولة السورية.
الهدنة واحتواء موسكو:
مما لا شك فيه أن موسكو، وفي سياق موافقتها على الهدنة في سورية وسعيها إلى تثبيتها، قبلت أن تقدّم لواشنطن أوراقاً في غاية الأهمية وإن كانت هذه الأوراق موقتة ويمكن إعادة استخدامها مرةً أخرى. وفي مقدمّها التغاضي عن قائمة التنظيمات الإرهابية وتحديد المناطق التي تتواجد فيها المجموعات الإرهابية، فضلاً عن وقف اندفاعة الجيش السوري في حلب والذي كانت تفصله كيلومترات قليلة عن تطويق الأحياء الشرقية في العاصمة الثانية للبلاد. وهو ما دفع واشنطن إلى محاولة تغيير خطوط التماسّ في حلب تحديداً، واستخدام هذه الورقة اليوم لصالح معركة الرقة أو تقاسم النفوذ. فالهدف الأميركي اليوم بات يقوم على مقايضة أمن حلب بالتقدّم نحو الرقة عبر ما يسمّى «قوات سورية الديمقراطية» ومنع الجيش السوري من التوجّه نحو «سورية المفيدة» إلا في سياق اتفاق يراعي وضعية حلب الخاصة، ويحيّدها إما من الهدنة كما هو قائم حالياً، أو من الميدان كما تريد الولايات المتّحدة.
حلب هي الورقة التي يحاول الجميع لعبها في سورية، وهي حجر الزاوية في تقسيم البلاد من عدمه، والسؤال الآن ماذا عن موسكو، ومتى تنتهي الهدنة في حلب؟
إن كسر الهدنة في حلب بات ملحّاً لإنقاذ المدينة من معاناتها، وهذا يجب أن يتم عبر عملية عسكرية مؤثّرة تعيد خلط الأوراق في المدينة، إن كان قرار تحريرها معقداً، تفرض على واشنطن وأوروبا معطيات جديدة تساعد روسيا في الضغط باتجاه تظهير الحلول من سورية إلى أوكرانيا.
|