لا يبدو أن الطريق مفروش بالعقبات فقط أمام عملية إعادة الإعمار وتحمل أعباء النهوض بواقع الحال في أمتنا. فالانقسام ليس في المواقف، إنما يبدأ من العقيدة وينتهي بالنفسية وأحلام الخلافة المجيدة، وحتى الرغبة الدفينة في الوصول إلى السلطة والكرسي.
العُقد التي تسيطر على ليبراليي هذه الأمة قبل إسلامييها ومتعصبيها الطائفيين بررت أن يتم التغاضي عن المذابح التي تجري في بعض المحافظات السورية بحق الأطفال والمدنيين والعمليات الممنهجة لتدمير الهوية الوطنية السورية، وذلك لمصلحة ثورةٍ مفترضة رفعت في درعا شعار «الموت ولا المذّلة» ، شعارٌ خرج من المساجد تحت عباءة شيخٍ أعور انتهى دوره فذهب اسمه أدراج الرياح.
الطفل «عيلان الكردي» الذي وجدت جثّته مرمية على السواحل التركية هو ضحية لأصدقاء سورية من دون استثناء، أصدقاء التدمير والتخريب على الأرض السورية التي أصبحت ساحة بازارات سياسية دنيئة كالعادة ولكنها مؤلمة لا يشعر بها إلا قاطنو الجمهورية التي هرب منها الطفل إلى حتفه، وقتل فيها طالب جامعي وحيد لأبويه ذنبه أنه أصبح مهندساً.
انقسم المراقبون بين نادبٍ على الطفل وكأن غيره من الأطفال لم يمت، وبين من قارن مناطقياً بين الأطفال الموتى مطالباً بتبديل أولويات الحزن وتراتبيته، فهل يعقل هذا؟
قتل أطفال سورية كل من ساهم في إطالة أمد هذه الحرب القذرة، وقتل أطفال سورية كل من رفع شعاراً إسلامياً طائفياً وحارب تحت رايته. وقتل أطفال سورية فسادٌ لم يشهد التاريخ مثله وعلى كافة المستويات على رغم وجود تهديد وجودي كان من المفترض أن يدفع الجميع للالتفاف والاتحاد حول وطنٍ قدّم للإنسانية ما لم يقدمه أي وطنٍ آخر. قتل الطفل السوري كل معارضٍ برر في لحظة ثورته شعارات إلغائية تهدف إلى التطهير العرقي لأن رد الفعل يحمل تبريره من الفعل حسب ادّعاء فنان سابق ودبلوماسي سابق ويساري سابق وسفير سابق. قتل هذا الطفل على السواحل التركية من أراد لهذا الجيل ان يكون وقوداً للهيمنة «الإسرائيلية» والأميركية التركية على القرار السوري المستقل، وقتله من أراد التقاط صورةٍ له مع «أصدقاء سورية» راسماً لهؤلاء الجهّل المستلبين طائفياً طريق الحرية من البوابة السعودية القطرية التركية، طريقٌ لسفك الدماء فقط وليس طريقاً للهجرة، هنا يهاجر من يريد رفع راية الدين بحكم شرعي سعودي أردني تركي وقطري إلى غير تلك الدول التي تمنع منعاً باتاً هجرة السوريين إليها كي لا يتخرّب نسيجها الاجتماعي المستقر بأفكار تحركها الفتوى ولا شيء غير الفتوى.
قتل وسيقتل هذا الطفل كل من لا يزال يعتقد أن للدماء ثمن في الحروب القذرة وأنه يستمر من أجل حق الدم والانتقام من الآخر، فالدماء في نوع كهذا من الحروب مجانية والشعارات التي رفعت في درعا أوصلت السوريين إلى «الموت والمذلة».
|