أثار فوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية مفاجأة كبرى على المستوى الدولي، فالرجل الذي وصل إلى قيادة أقوى دولة في العالم سيصدّر «ثورة» الرأي العام الأميركي إلى دول الأطلسي قبل غيرها، وهو ما سينسحب على العلاقات الدولية قاطبةً وشكلها وأسسها، لكن ودون الدخول في متاهات السياسة الخارجية للإدارة الأميركية الجديدة، وتداعيات «الثورة» الأميركية على العالم، لا بدّ من العودة إلى الحرب على سورية ومعرفة مصير ما يدعوه الغرب «الثورة السورية» وسط عاصفة «الثورة الأميركية».
ركّز دونالد ترامب على ملف دعم المعارضة السورية ومحاربة الدولة الإسلامية، الرجل في مقابلته الأولى بعد نتائج الانتخابات مع صحيفة «وول ستريت جورنال»، رأى أنّ الدعم الأميركي للمسلحين في سورية هو دعم مشكوك بأمره حيث «لا نعرف هوية الذين ندعمهم»، تساؤل يفسّر صمت ما يسمّى «المعارضة السورية السياسية والعسكرية» بعيد وصول ترامب إلى السلطة وتجاوزه هيلاري كلينتون في الانتخابات، حيث يبدو واضحاً أنّ الميليشيات المسلحة المتطرفة في سورية والدول الإقليمية التابعة لها تستشعر الخطر المحدق بمصير برامج دعم المسلحين في سورية والقيود التي يفرضها أيّ قرار أميركي جدّي بوقف التسليح على الدعم الإقليمي للمسلحين في سورية، فالقرار الأميركي المائع في عهد أوباما وغضّ النظر هو الذي سمح للقوى الإقليمية بممارسة دورها في التسليح وكسب ولاء الميليشيات في سورية وليس العكس، أما ترامب الذي ترى التحليلات أنه لن يستطيع إحداث تغيير جذري في سياسته الخارجية، فإنّ حيثية المعارضة السورية وتسليحها هي الأكثر قابلية للتطبيق وفق التوجهات الواضحة لترامب وذلك للأسباب التالية:
التمهيد الإعلامي لهذا التغيير بدأ في واشنطن ومؤسساتها الإعلامية فقد عنونت «نيويورك تايمز»: «ترامب قد ينهي المساعدة الأميركية المقدّمة للثوار السوريين»، مشيرةً إلى أنّ «فوز ترامب بالرئاسة يعني أنّ الولايات المتّحدة سوف تركز على محاربة الدولة الإسلامية، ومحاولة التوصّل إلى أرضيات مشتركة مع السوريين وداعميهم الروس على حساب المعارضة السورية». موقفٌ أكدته «واشنطن بوست» بقولها «إنّ الثوار السوريين قد يكونون الخاسر الأكبر» جراء فوز ترامب. لكن الموقف الأكثر حساسية ومصداقية هو موقف دينيس روس، الدبلوماسي الأميركي المعروف والمحسوب على المحافظين، والذي جاء خلال جلسة جمعته مع عدد من الباحثين في «معهد واشنطن» للدراسات حيث رأى في ما يخصّ الوضع في سورية أنه وعند تنصيب ترامب في كانون الثاني المقبل «فقد يكون في موضع جيّد للدعوة إلى وقف إطلاق النار وإعادة الروابط الدبلوماسية مع روسيا العازمة على إخضاع شرق حلب، أيّ تمهيد الطريق بشكل أساسي أمام عودة الأسد إلى السلطة الكاملة في سورية».
المعارضة السورية المرتبطة بواشنطن تشكو من الضعف والتشرذم فلا كيان واحداً يجمعها، ولا جدوى ميدانية لعملها على الأرض إلا في حال ارتباطها بالتنظيمات الإسلامية المتطرفة وعلى رأسها النصرة وأحرار الشام وداعش، هذا في ما يخصّ التنظيمات العربية في سورية، اما الأكراد فإنّ نطاق تحركهم في سورية محدود ولا يؤدّي الغرض المطلوب أميركياً إلا ضمن مناطق محدّدة، فضلاً عن حالة العداء التركي الكردي والتي يتوقع أن تدفع ترامب على الأرجح إلى اختيار الأتراك.
مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد الجنرال مايكل فلين والذي شغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية بين عامي 2012 و2014، رأى في مقابلة مع صحيفة «لوموند» الفرنسية أنّ الوضع في سورية «ليس عصياناً محلياً مسلحاً» بل إنّ ما يجري «هو تمرّد ليس فقط يهدف إلى السيطرة على سورية والعراق بل على المنطقة بأكملها» مضيفاً إنّ في سورية «علمنا في وقت مبكر بوجود مقاتلين أجانب… لكن إدارة اوباما قرّرت تجاهل هذه المعلومات». الواضح أنّ مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد المعروف بموقفه المعادي للجماعات الجهادية المتطرفة، يرى أنّ ما يجري في سرية هو مواجهة مع مشروع معاد للأهداف الأميركية في المنطقة، وبالتالي من الخطأ الحديث عن «تمرّد وطني مسلّح» يخصّ سورية وحدها.
فشل برامج تدريب المعارضة السورية المسلحة منذ العام 2012 وحتى الآن، حتى أنّ الرئيس أوباما كان قد أوقفها عدة مرات، إما لعدم جدواها، أو لسقوط السلاح الأميركي المقدّم في أيدي الجماعات المتطرفة وهو آخر ما يريده دونالد ترامب.
خضوع الميليشيات المسلحة للقوى الإقليمية أكثر من خضوعها للولايات المتّحدة، وبالتالي فإنّ جدوى دعمها مقارنةً بسيناريوات جديدة أخرى يصبّ في مصلحة الخيار الثاني.
ما سبق يؤكد أنّ خيار «وقف المساعدة» للميليشيات المسلحة في سورية هو القرار الأكثر قابلية للتطبيق في برنامج ترامب في ما يخصّ الوضع في سورية، خاصةً أنّ التطورات الميدانية في حلب وريفي إدلب وحمص، ستضع الوافد الجديد أمام استحقاق محاربة الإرهاب الذي يشكل محور سياسته الدولية والإقليمية.
|