أوقف الطيران الحربي السوري والروسي القصف على مناطق تمركز الميليشيات المتطرفة المسلحة في أحياء حلب الشرقية، أُعلن ذلك عبر وزارة الدفاع الروسية، وقال وزير الدفاع الروسي إنه «ومع بداية الهدنة تنسحب القوات السورية لمسافة تتيح انسحاب المسلحين من حلب عبر ممرين»، وأردف البيان الروسي الصادر عن وزير الدفاع سيرغي شويغو شخصياً «أنّ الهدنة التي أعلن عنها يوم 20 من الشهر الحالي في حلب سوف تمدّد في حال خرج المسلحون من المدينة»، قبل أن يطلق دعوة إلى «الدول ذات النفوذ لإقناع قادة المسلحين بضرورة مغادرة المدينة».
البيان لم يقف عند هذا الحدّ بل رسم خريطة طريق للحلّ في حلب بغطاء دولي حيث سيجتمع في جنيف «خبراء عسكريون لفصل الإرهابيين عما تسمّى المعارضة المسلّحة».
في سياق استعراض بنود الخطة الروسية المتكاملة لصياغة الحلّ في حلب يلاحظ أنها امتداد لما جرى الاتفاق عليه في اجتماع لوزان قبل أربعة أيام وفق البرنامج الروسي للحلّ الذي عاد إلى أساسيات اتفاق كيري لافروف حول التهدئة التي تشكل حلب اساسها، لكن مع ملاحظة فارق جوهري يتجلى بتحميل الدول المجتمعة في لوزان مسؤولية الحلّ المتّفقق عليه، أو بالأحرى المفروض بقوة الأمر الواقع، وليس ثنائية كيري لافروف وحدها، هنا يأتي الموقف التركي الأهمّ خلال اجتماع لوزان حول الدعوة إلى «خروج النصرة من حلب» في مؤشرٍ واضح على التقارب مع موسكو في هذه الحيثية بالذات.
إنّ الخطة الروسية المطروحة للحلّ في حلب يلاحظ أنّ أساسها تحييد حلب عن البازار الدولي والإقليمي الخاص بسورية، فقرار عودة المدينة كاملةً إلى كنف الدولة السورية اتخذ دون رجعة ولا وجود لمساومة حول هذا الأمر والخيار المفروض على الغرب والإقليم هو بين الانسحاب لحفظ أدوات الغرب في سورية، وبين استمرار المعركة الخاصة بأحياء حلب الشرقية، وفي هذا السياق يلاحظ استخدام وزير الدفاع الروسي مصطلح «المسلحين» وليس تخصيص «جبهة النصرة» بالخروج من حلب، وفي ذلك قطع للطريق على خطة دي ميستورا التي قامت فقط على أساس إخلاء النصرة من العاصمة الاقتصادية للبلاد، مع الإصرار الروسي على مبدأ الفصل بين «المسلحين» ضماناً لما هو سياسي وممتدّ ومعمّم على كافة أراضي الجمهورية العربية السورية، بمعنى أنّ الفكرة الأساسية من وراء الإصرار على مركزية «الفصل بين المسلحين والإرهابيين» تقوم على تحييد فريق من الضربات الجوية شرط قبوله للحلّ السياسي وشروط المجتمع الدولي الخاصة بالحلّ، وهذا يتطلب في جزئية متقدّمة منه الانخراط في الحرب على الإرهاب والالتزام بما تتفق عليه الدول الكبرى عندما يحين وقت الحلّ، وتوقيع اتفاق «وقف الأعمال العدائية» الذي تمّ إقراره في شباط الماضي، مع ما يفرزه ذلك من صراعات بين المجموعات المسلحة نتيجة الافتراق في الخيارات، هذا الصراع الذي كان له الأثر البالغ في تقهقر الميليشيات المسلحة على امتداد جبهات الاشتباك في سورية، كان آخرها ما جرى في ريف حماة من صراع بين حركة «أحرار الشام» وتنظيم «جند الأقصى»، والذي تمّ التركيز عليه في تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية بعنوان «تقدّم المتمرّدين في وسط سورية يتراجع بسبب الاقتتال الداخلي».
إنّ تحرير حلب من الإرهاب الذي احتلها صيف العام 2012، ليس سوى مسألة وقت، والواضح أنّ التفاوض في سورية وحولها لم يعد في وارد ذكر حلب في بنوده الأساسية، فالتهدئة خطوة أخيرة على طريق تحرير حلب، وليس خطوةً على طريق تجميد الصراع فيها.
|