رفع الرئيس السوري بشار الأسد سقف التفاوض مع القوى الكبرى حول سورية. فاللقاء الذي أجراه مع قناة «المنار» وإن حمل في عنوانه الرئيسي ملف توضيح بعض النقاط التي شابها سوء فهم في الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، إلا أنه حدّد نقاطاً ثابتة تتمترس خلفها الدولة السورية في أي عملية تفاوضية مع الطرف الآخر المنخرط في الحرب على سورية، منها وحدة سورية وسيادتها، ومحورية بند مكافحة الإرهاب، بغضّ النظر عن تراتبيته الزمنية في أي مبادرة للحل مطروحة على الساحة الدولية في ما يخص الحرب على سورية، إذ قال: «أولاً… سيادة سورية ووحدة الأراضي السورية… قرار الشعب السوري بمعنى أنه لن يكون هناك إملاءات من أي جهة ويجب أن يكون القرار في النهاية قراراً وطنياً صافياً… عملياً، يجب أن تكون هناك قاعدة لأي مبادرة… تبدأ وتستند وترتكز على مكافحة الإرهاب. أي مبادرة لا بند مكافحة الإرهاب فيها كأولوية لا قيمة لها. كيف نضعها في جدول زمني، هذا موضوع آخر. هذه تفاصيل، ولكن هذه هي الأسس والضوابط والمحددات في أي مبادرة». واللافت في المقابلة كان غمز الأسد من بندين وردا في المبادرة الإيرانية لحل الأزمة في سورية يتعلقان بوقف إطلاق النار وإجراء انتخابات بإشراف أممي. فالرئيس السوري تمايز عن الحليف الأهم للدولة السورية منذ أكثر من ثلاثة عقود متسائلاً عن معنى وقف إطلاق النار وهل تحارب الدولة السورية دولةً تقابلها حتى يتم طرح هذا المفهوم، مستعيضاً عنه بما يدعى «تهدئة»، أو وقفاً للعمليات القتالية. أما في ما يخص الرقابة الأممية فوضع الرئيس هذا البند على طاولة التفاوض، وإن لم يبدِ مرونةً في قبوله، على عكس مسألة إعداد دستور جديد ناتج عن توافق السوريين. فشرط السيادة السورية يستوجب التأكد من هي الجهة التي تراقب العملية الانتخابية والتي ستكون مقبولة إن أتت من الحلفاء. أما المنظمات الدولة فهي موضع شك، «إما انتخابات بإشراف دولي فلا، هذا تدخل في السيادة السورية. من هي الجهة الدولية المخوّلة أن تعطينا شهادة حسن سلوك بهذا المعنى لا نقبل بهذا الأمر».
هنا يبدو الأسد رافضاً منح المجتمع الدولي سابقةً في سورية من بوابة الإشراف على الانتخابات أممياً وانتظار شهادات شرعية وحسن سلوك من الغرب، والتي إن حصلت وفق ما هو مطروح، ستكون مقدمةً لتدخل على النمطين اللبناني والعراقي في صوغ السلطة في سورية وتشكيلها. وهو أمرٌ مرفوضٌ بشكل تام وغير قابلٍ للنقاش.
لا يبدو الأسد في موقف الضعف الذي تراهن عليه الدول الكبرى. ولا يبدو في وارد التناغم مع أي مبادرة للحل في سورية حتى لو أتت من الحلفاء على قاعدة محاولة الإسهام في حلحلة أمور المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، فالسيادة السورية التي يحرص الرئيس عليها لا تتنافى مع الثقة المطلقة بحلفاء دمشق ومحاولة وضع النقاط على الحروف في ما يتعلق ببعض المبادرات الخاصة بالحل في سورية. إذ يثبت الرئيس مرةً أخرى أن المسافة الفاصلة بين أيّ تحالف والسيادة لا تزال تحافظ على وضعيتها، والأساس يبقى في صوغ أيّ مسار مستقبلي، يتمثل بالسيادة التي يتوقف عليها ربع الساعة الأخير في انتهاء الأزمة السورية، والذي يبدو بدوره محكوماً بتصعيد إلى الحدود القصوى ومن كافة الأطراف الموجودة على الساحة السورية.
|