التخوّف والقلق، سمتان ملازمتان لما يدور في أوساط النخب المراقبة للشأن السياسي في سورية، في ما يخصّ سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية، خصوصا مع ترجيح كفّة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، في استطلاعات الرأي الأخيرة بتقدّمها على المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
القلق نابع من الموقف التقليدي للنخبة الأميركية الحاكمة من سورية والضوابط التي تحكم علاقة هذه النخب، مع الدولة السورية بشكلها الحالي، على مدار العقود الماضية، خصوصا منذ العام 1970، فيما يُرى في الشعبوي الأقرب إلى النفسية الأميركية الخاصة بالمواطنين، دونالد ترامب، على أنه أكثر مرونة في الملفات الدولية ذات الاهتمام الجامع وفي مقدّمها الحرب على الإرهاب والموقف من «داعش»، اللذين يشكلان الرافعة الأساس والمعيار في صياغة علاقات الولايات المتّحدة، مع دول العالم الكبيرة منها والصغيرة. وانطلاقاً من ذلك، ينظر إلى صاحبة فكرة «منطقة الحظر الجوي» على أنها التهديد الأكبر في المرحلة المقبلة، خصوصا لجهة الحرب السورية ومحاولة تغيير توازنات القوى القائمة حالياً، فالكلّ يدعو إلى استغلال الفترة المتبقية من حكم الرئيس باراك أوباما، لميل كلينتون إلى خيار الحرب، فهل هذا صحيح، هل كلينتون تميل إلى مستشاريها الداعين إلى زيادة الانخراط في سورية؟
في البداية، لا بدّ من القول أنّ الإدارة الديمقراطية الحالية، التي تساهم في الجهد الدعائي للمرشحة كلينتون، تريد أن تحافظ على السلطة. وبالتالي، فإنّ التغيير في الحكم في حال وصلت كلينتون إلى البيت الأبيض، لن يكون انقلاباً على القواعد التي تنظم أداء الحزب الحاكم منذ ثماني سنوات، على الرغم من احتمالات ترجيح كفّة الداعين إلى التدخل في سورية، الممثلين اليوم بوزيري الدفاع، أشتون كارتر والخارجية، جون كيري ومدير المخابرات المركزية، جون برينان. لكن ما هو نوع التدخل؟
كلينتون لم تتحدّث يوماً عن التدخل العسكري المباشر في سورية، عبر اجتياحٍ بري، هذا الموقف هو موقف النخبة الحاكمة عموماً وهو القاسم المشترك الأهمّ، في مقاربة الملف السوري وغيره من الملفات، التي يؤطرها مبدأ التدخل العسكري والاستعاضة عنه بالتدخل غير المباشر، عبر وكلاء محليين، أو عبر أدوات إقليمية، كما هي الحال في سورية. لكن معطى الوجود العسكري الروسي المباشر، على الأرض، قلب الطاولة على رأس الجميع والانتظار هو سيّد الموقف ولا يمكن اتّخاذ قرارت سريعة لتعديل ميزان القوى في سورية، حتى لو أتت كلينتون رئيسة. هنا تقول «واشنطن بوست» أنّ كلينتون، التي يبدو أنها تتفق مع دعاة الحرب في فريقها، سوف «تضطر لمواجهة المخاطر والتحديات التي تواجه تلك السياسات». وتذكّر بأنّ «ويكيليكس» من خلال تسريباتها، أشارت إلى أنّ كلينتون في عام 2013 أشارت إلى أنّ منطقة الحظر الجوي وضرب الدفاعات الجوية السورية «ستقتل المزيد من السوريين». وترى الصحيفة «أنّ كلينتون ستكون حذرة في الـ 100 يوم الأولى، حول اتخاذ مبادرة سياسية جديدة قد تسبب لها الكثير من المتاعب. كما أنها سوف تحتاج إلى إعطاء الأولوية لجدول أعمالها المحلي».
إنّ الخلافات في أوساط النخب الأميركية، لا تقف عند هذا الحدّ، بل إنّ السياسات الأميركية الحالية في المنطقة، لا تساعد الحلفاء على الاستمرار في الانضباط في السياسة الأميركية. وعلى الرغم من البعد السلبي لهذه النقطة، لجهة استمرار الاستنزاف في سورية، عبر الهامش المعطى للقوى الإقليمية، فإنه يعدّ عقبة تواجه جهد الإدارة الأميركية لصياغة تدخل فاعل غير مباشر، في المدى المنظور، حيث يقول الكاتب ديفيد اغناتيوس «لدى الولايات المتحدة عادة سيئة تتمثل في تجنيد قوى محلية، كوكلاء، ثم تبتعد عنهم عندما تواجه صعوبات». ويتخوّف من أن يتكرّر ذلك مع «وحدات حماية الشعب الكردي في سورية» وهو ما سيؤدّي إلى تقرّبها من روسيا.
الجيش الأميركي، هو الآخر له الكلمة في هذا المجال، فتكاليف منطقة حظر جوي في سورية، يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار. وتنقل «الغارديان» البريطانية عن عسكريين أميركيين قولهم: «هذا المقترح طرح على نطاق واسع في واشنطن، على مدى السنوات الخمس الماضية، دون أن يحصل على أيّ دعم من الجيش، بسبب مخاطره على الطيارين من الدفاعات الجوية السورية وتواجد الطائرات الروسية».
مما لا شك فيه، أنّ الانتخابات الرئاسية الأميركية، شأن دولي. وفي حالة سورية، التي يدور على أرضها صراع مرير، تُدفع فاتورته يومياً من قِبَل الشعب السوري وتاريخه وتراثه، فإنّ المفاضلة بين المرشحين تبقى نوعاً من الأمل بمن هو أخفّ وطأة. لكن كلينتون، إنْ وصلت، لن تقوم بقلب الطاولة كما هو متوقع. ولن تتخلى مباشرة عن سورية، حتى أنّ التغيير، مهما كانت نسبته، ينتظر، بعد تنصيبها، في كانون الثاني من العام المقبل، مائة يوم على الأقلّ. وهي فترة لا ندري كيف يصبح فيها واقع الميدان، على وقع قرع طبول المعركة الأخيرة في حلب.
|