من حيث المبدأ لا يرى المتلقي أيّ فارقٍ بين المصطلحين، فالنتيجة واحدة عملياً على الأرض وهي أن يسود الهدوء ويتوقف القتل العشوائي وتهدأ المدافع وأصوات القصف.
وهذا ما يريده المواطن السوري الذي باتت وحدة قياس «المنطقة الآمنة» وفق تعريف مَن بقي داخل البلاد، يعني عدم سماع أصوات الرصاص، وإنْ سُمعت فيكون صداها في بعض الأحيان، فضلاً عن عدم تعرّض المدنيين للقتل العشوائي بقذائف الهاون والتفجيرات الانتحارية.
في السابع والعشرين من الشهر الحالي، أيّ قبل الموعد الروسي المحدّد لوقف الأعمال العدائية بثلاثة أيام، تمّ الاتفاق، وفق وكالات الأنباء، على وقف إطلاق النار في سورية على ألا يشمل جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيّين مراعاةً على ما يبدو للقرار 2254 الذي ركّز على هذين التنظيمين والتنظيمات المرتبطة بهما، وإنْ كان لم يتمّ تحديدها حتى هذه اللحظة، وجاء في الفقرة الثامنة من القرار الأممي «كرّر دعوته الواردة في القرار 2249 2015 والموجهة إلى الدول الأعضاء لمنع وقمع الأعمال الإرهابية التي يرتكبها على وجه التحديد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف أيضا باسم داعش وجبهة النصرة، وسائر الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الجماعات الإرهابية، على النحو الذي يعيّنه مجلس الأمن، وعلى نحو ما قد يتفق عليه لاحقاً الفريق الدولي لدعم سورية ويحدّده مجلس الأمن، وفقاً لبيان الفريق الصادر في 14 تشرين الثاني 2015، والقضاء على الملاذ الآمن الذي أقامته تلك الجماعات على أجزاء كبيرة من سورية. ويلاحظ أنّ وقف إطلاق النار المذكور أعلاه لن يطبّق على الأعمال الهجومية أو الدفاعية التي تنفذ ضدّ هؤلاء الأفراد والجماعات والمؤسسات والكيانات، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي لدعم سورية الصادر في 14 تشرين الثاني 2015».
إذاً، تمّ تجاوز العقدة الأساس في التوصّل إلى اتفاق بين موسكو وواشنطن بالرضوخ إلى الشرط المستجدّ الأميركي الذي صنّف النصرة تنظيماً معتدلاً، وأفرغ القرار الدولي 2254 من مضمونه، مقابل إسقاط إدراج قائمة التنظيمات الإرهابية التي كلّف الأردن بوضعها، على جدول الأعمال الدولي، سواء الخاص بوقف العمليات القتالية، أو الخاص بمحادثات السلام واستئنافها في جنيف، والتي لا يبدو أنها ستستأنف، وهو الأمر الذي يؤكد أنّ ما أُعلن عنه من اتفاق أميركي روسي هو اتفاق على «وقف الأعمال العسكرية أو وقف الأعمال العدائية» المؤقت في سياق إجراءات حسن النية، وليس البتة «وقف إطلاق النار» الذي يحتوي بين طياته على جانب سياسي ويفسح في المجال أمام اتفاق سلام من نوع ما بين الأطراف المتحاربة.
إنّ «وقف الأعمال القتالية» لا يملك صفة الإلزام على الأطراف المتحاربة ولا يحمّلها مسؤولية قانونية، وهو عبارة عن دعوة لوقف المعارك، ويمكن اعتباره في الحالة السورية خطوةً أولى ضرورية على طريق حلحلة الملف الإنساني وإيصال المساعدات إلى كامل المناطق المحاصرة في سورية، كما يمكن اعتبار «وقف الأعمال العدائية» مقدّمةً للتوصل إلى «وقفِ إطلاق النار» الذي يملك بعداً سياسياً قانونياً ملزماً خاصةً في حالة الأزمة السورية، حيث نصّت المادة الخامسة من القرار 2254 على التوازي بين وقف إطلاق النار والعملية السياسية، وهو نوعٌ من التشديد على البعد القانوني الأممي لهذه العملية في سورية والتي لم يتمّ السير فيها كما وردت في القرار الأممي حتى اللحظة، وجاء فيها «يسلّم بالصلة الوثيقة بين وقف إطلاق النار وانطلاق عملية سياسية موازية، عملاً ببيان جنيف لعام 2012، وبضرورة التعجيل بالدفع قدماً بكلتا المبادرتين، ويعرب في هذا الصدد عن تأييده لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء سورية، وهو ما التزم الفريق الدولي بدعمه والمساعدة على تنفيذه، على أن يدخل حيّز النفاذ بمجرد أن يخطو ممثلو الحكومة السورية والمعارضة الخطوات الأولى نحو انتقال سياسي برعاية الأمم المتحدة، استناداً إلى بيان جنيف، على النحو المنصوص عليه في بيان الفريق الدولي المؤرّخ في 14 تشرين الثاني 2015، على أن يتمّ ذلك على وجه السرعة».
ما سبق يُحيلنا إلى طرح التساؤل التالي: هل هناك جدوى من وقف القتال هذا؟
المواطن يهمّه ذلك ويريد بادرة هدوء ووقفٍ للقتل من أي طرفٍ من الأطراف، لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، وحسابات السياسيين والميدانيين تختلف، فالتوافق الدولي وخاصةً الثنائي الروسي الأميركي، وإنْ شمل الفصيلين الكبيرين في سورية، داعش والنصرة، واللذين يسيطران على غالبية الأراضي السورية، كما ترجح مصادر، وجعلهما خارج إطار أيّ وقفٍ للقتال، إلا أنّ أحداً لم يجب السوريين على عقدة «جيش الفتح» على سبيل المثال لا الحصر، وهذا التحالف القائم بين حركة أحرار الشام وجبهة النصرة الذراع الرسمي للقاعدة في سورية في محافظة إدلب. ما هي الضمانات التي حصل عليها الجانب الروسي تحديداً حول عدم استغلال الجماعات المسلّحة للهدنة لإعادة تنظيم صفوفها؟ ما هو مصير الحدود السورية التركية والتعزيزات التي لا تزال تصل إلى المجموعات السلفية في شمال سورية؟ ما هو مصير الحدود الأردنية أيضاً؟
إنّ الإدراك الروسي لطبيعة المرحلة الحالية والهدف الاستراتيجي، بالتنسيق مع الدولة السورية، والمتمثل بإغلاق الحدود السورية التركية، وانطلاق مسار «مصالحة الجنوب» في درعا، يجعل من «وقف الأعمال العدائية» اختباراً لتماسك وانضباط من بقي من حلفاء واشنطن في الساحة، آخذين بعين الاعتبار أنّ هذه الحرب ليست حكراً على السوريين وحدهم ولا هم سادتها، هي حرب دولية وإقليمية مقرّروها كثر وأدواتهم انعكاس لمدى حضورهم.
|