بعد إيران، يأتي دور روسيا. تبادل الأدوار بين الدول الإسلامية قائمٌ على قدمٍ وساق. لا يمكن الخروج من التوجّه الأميركي لتسعير الحروب في هذا العالم، ولا يمكن الخروج من الدور الوظيفي الذي ارتضته الكيانات الموجودة في منطقتنا لنفسها.
التنافس الروسي ـ الأميركي في عالم متعدّد الأقطاب شكّل أساس الحروب في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. واليوم تعود الأمور إلى ما كانت عليه، ويعود الإسلاميون إلى ممارسة دورهم المحرّض والداعم لتحويل العالم إلى ساحة حرب بين الخير والشر، المرتبط بالرواية الدينية عن هذا العالم، والتي تفصل الفرز في السماء، لكنها تشترط الحساب على الأرض لإتمام عملية الفرز، وهو ما يفرح الأميركيين وغيرهم من القوى العالمية التي تشاهد هذا النوع من الحروب القائم اليوم في منطقتنا، والذي يعد وحده دون غيره الأنجع في إدارة المعركة مع الامبراطورية الروسية التي لم تخسر حرباً مباشرةً في تاريخها، وإن خسرت بعض المعارك.
حرب أفغانستان ماثلة والشيطنة السعودية لروسيا وظاهرة الأفغان العرب باتت اليوم موجهة لمحاربة إيران، وباتت هذه مهمة الرياض وممالك الخليج الأخرى التي استعاضت عن الحرب الأممية بالحرب الإقليمية المذهبية. فيما من الواضح أن الحرب ضد الشيوعية أسقطت لمصلحة «الإمبريالية» الروسية وتمّ تعهيدها إلى حزب «الإخوان المسلمين» في تركيا. فها هو رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو وفي كلمةٍ أمام الكتلة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» يقول: «الأراضي السورية لن تكون جزءاً من الأهداف الإمبريالية الروسية»، جملةٌ تعكس التالي:
ـ تصعيد تركي غير مسبوق يحضّر الأرضية لصدام مع روسيا من جانب الأطراف المنخرطة في الاستراتيجية الغربية التركية المضادة للدولة السورية وحلفائها في سورية. هذا التصعيد لم يكن وليدة تصريح بل إن التصريح جاء كنتيجة لإسقاط الطائرة الروسية «سو 24،» وتعزيز القوات التركية في معسكر بعشيقة في شمال العراق، فضلاً عن التعزيزات العسكرية التركية المكثّفة على الحدود مع سورية.
ـ التقارب التركي الصهيوني وإن لم يصل إلى مرحلة التفاهم المطلق، إلا أنه جزء من إعادة التموضع في المنطقة المواجه للنفوذ الروسي في سورية، الذي ظلل البلاد بمظلة جوية تقلب توازن الردع الاستراتيجي في المنطقة رأساً على عقب، هنا يحضر تخفيف الطلعات الجوية التركية فوق سورية، وتهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الواضح بإسقاط أي هدف يستهدف القوات الروسية في سورية ليثبت حجم المواجهة المرتقبة بين كافة الأطراف، كما يحضر اغتيال سمير القنطار في سياق محاولات «تل أبيب» رسم وتكريس بعض خطوط الردع الكلاسيكية التي كانت قائمة في سورية قبل التدخل العسكري الروسي المباشر.
ـ تحويل بوصلة العداء الإسلامية بعد العربية، بمعنى تحييد الكيان الصهيوني والإمبريالية الغربية نهائياً لتحل مكانها «الإمبريالية الروسية»، بعدما توجّه العرب بقيادة الخليج إلى معاداة «إيران»، والتنسيق مع «تل أبيب».
الصراع في سورية وتصريحات رئيس وزراء أردوغان تعكس وجود توجّه بالتصعيد في سورية يحصر المواجهة بين أنقرة وموسكو بالشكل، لكن الأطلسي وواشنطن و«تل أبيب» والخليج حاضرون بقوة في الصراع على الأرض السورية ومحاولة حماية الشعب السوري، إذ باتت السعودية الوكيل الحصري «للعروبة» في المنطقة، وأنقرة الوكيل الحصري «للأقليات» في سورية وآسيا الوسطى.
|