صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع على مشروع القرار «2235» في شأن تشكيل آلية لتحديد المسؤولين عن استخدام المواد الكيماوية، بما في ذلك الكلور. وتبنّى المجلس القرار بعد تصويت جميع الدول الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، وجاء في القرار: «المجلس يدين بشدّة استخدام كل المواد الكيماوية السامة، مثل الكلور كسلاح في الجمهورية العربية السورية». وقرر المجلس «إنشاء آلية مشتركة للتحقيق» بمشاركة الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية «لمدة سنة واحدة مع إمكانية التمديد إذا لزم الأمر».
ويطلب القرار من أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون تقديم توصيات في غضون عشرين يوماً حول تشكيلة آلية التحقيق وصلاحياتها، «لمعرفة الأفراد والكيانات والجماعات أو الحكومات» المتورّطة في أيّ هجمات كيماوية في سورية.
مما لا شك فيه أن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي وتحت الفصل السابع، يمنح اللجنة صلاحيات قانونية واسعة على صعيد إلزام كافة القوى على الأرض بالتعاون مع اللجنة وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لعملها، تحت طائلة اتخاذ إجراءات إضافية من مجلس الأمن الدولي في حال مخالفة القرار والتدخل في عمل اللجنة. ومما لا شك فيه أن أيّ قرارٍ أممي خاص بسورية ويصوّت عليه بالإجماع، يثير الريبة والشك في ضوء التجارب السابقة لدول الجوار، وفي ضوء الصدام الدولي المتجسّد حرباً قذرة على الأراضي السورية. لكن، على رغم كلّ ما سبق، إلا أنه تجدر الإشارة إلى جملة من العوامل والتطمينات التي تفرّغ القرار من سلبيات يتخوّف منها مَن يقارن القرار وتشكيل لجنة تحقيق بالتدمير الأممي الممنهج للعراق، وصولاً إلى احتلاله من قبل القوات الأميركية في عام 2003. ولعل أهمها ما يمكن تسميته «السياق التوافقي» للقرار وهو ما ركّزت عليه كافة الصحف الغربية والتي لوحظ في إطار تغطيتها للتصويت عدم توجيهها أي انتقاد لنصّ القرار أو محاولة تفسيره بشكل يعادي التوافق الروسي الأميركي حوله، وهو أمرٌ يعكس بحدّ ذاته وجود رغبة دولية بالابقاء على خط التوافق الروسي ـ الأميركي الذي نشأ بعد الاتفاق النووي الإيراني، في عددٍ من مسائل المنطقة وبينها سورية.
هنا تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية إن القرار جاء بعد «تعاون غير عادي مع روسيا»، فيما رأت «تلغراف» البريطانية أن تصويت روسيا «أمر نادر» ما يعكس «اتّحاد العالم حول هذه القضية».
وأيضاً في السياق العام للقرار، يمكن القول إن توقيت صدوره أتى في لحظة دفقٍ للمبادرات الخاصة بسورية والتي لوحظ فيها أمران أساسيان: الأول، أولوية الحرب على الإرهاب وتحديداً تنظيم «داعش» الإرهابي. أما الثاني، فالتخلي عن شرط تنحّي الأسد إلى غير رجعة حتى في أدبيات الإدارة الأميركية. فالأمر صار يتعلق «بمستقبل سورية»، أما الحل والخروج من المأزق فيقومان على إجراء «انتخابات رئاسية وبرلمانية في سورية برقابة أممية»، هذا ما نقلته صحيفة «الحياة» عن مصادر سعودية، وما نطق به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير رسمياً يوم أمس، وهو ما لا تعارضه الدولة السورية التي تعي قبل غيرها قوّتها على الأرض وحجم تأثيرها، وربما يفسّر هذا إشارة الرئيس السوري في خطابه الأخير إلى الديمغرافيا، فالعقدة الأساس التي عمّقت الخلاف بين الدولة السورية والدول الكبرى والإقليمية كانت متمثلة بالإصرار غير المبرّر على شرط التنحّي كفعلٍ مسبق يجب تنفيذه قبل الشروع بأي حلٍّ في سورية. بينما قالت دمشق مراراً إن مصير الحكم في سورية يحدّده الشعب السوري. ما يفسّر عدم وجود أيّ انتقاد رسميّ سوريّ يتعلّق بهذا التفصيل من المبادرات الدولية والإقليمية حول سورية.
روسيا التي تحدّث مندوبها في مجلس الأمن بثقة عن ضمان التزام الحكومة السورية وتعاونها في ما يخصّ القرار، غمزت من قناة عدم تعاون المجموعات المسلّحة. وهو أمرٌ يدركه الجميع. وبالتالي، وفي هذه الحيثية، يمكن الإشارة إلى أمرين: أولاً، «الآلية المشتركة للتحقيق» وتوازن الفريق المكلّف التحقيق وتوزعه على الدول الكبرى المشاركة في التصويت على القرار، وبالتالي ضمان عدم تحيّز فريق التحقيق لطرف على حساب الطرف الآخر، وثانياً، تعرية المجموعات المسلحة غير المنصاعة للقرار في حال تمّ تنفيذه ووضع آلية محددة له، وبالتالي تدعيم موقف الدولة الروسية الداعي إلى التعاون مع الدولة السورية وجيشها في الحرب على الإرهاب.
في العراق، صدر القرار الدولي الخاص بالتحقيق في لحظة تخلٍّ دوليّ. أما في سورية فإن القرار صدر في سياق حرب مبادرات وكسر للعزلة وتوافق روسي ـ أميركي، وحوار للأخيرة مع طهران.
|