قصفت الطائرات الأميركية صباح يوم السبت 10 تشرين الأول، محطة تحويل كهرباء الرضوانية بالقرب من المحطة الحرارية شرق حلب، ما أدى لدمار أجزاء واسعة من المحطة وتوقفها عن العمل. وهي التي تغذي مناطق واسعة من ريف حلب بالتيار الكهربائي. وهي الضربة الثانية في غضون أسبوع التي تتعرّض لها ثاني أكبر محطة توليد طاقة كهربائية في سورية والتي تبلغ تكلفتها ملياراً ومئتي ألف يورو.
يأتي ذلك في الوقت الذي يستكمل فيه الجيش السوري والقوات الرديفة توسيع الحزام ا مني والعسكري على أكثر من جبهة، وتواصل وحداته القضم التدريجي في ريف حلب الشرقي باتجاه مطار كويرس العسكري ملحقةً خسائر ماديةً وبشريةً بصفوف مسلحي داعش، بحسب مصادر عسكرية. كما وتواصل وحدات من الجيش التقدم على المحور الجنوبي والجنوبي الغربي لريف حلب، حيث تمّت السيطرة على أكثر من ثمانين كيلومتراً مربعاً منذ بدء العملية العسكرية في حلب منذ أربعة أيام مستفيداً من الإسناد الجوي الروسي والتغطية النارية النوعية سواء بالقصف التمهيدي للاقتحام، أو باستهداف الطيران الحربي الروسي لنقاط إمداد وقواعد وغرف عمليات الميليشيات الإسلامية وعلى رأسها تنظيما داعش وجبهة النصرة الإرهابيان.
إذاً، نحن في مواجهة ردٍّ أميركي على الغارات الروسية في حلب الفاصلة والمعركة الكبرى، نحن أمام ردٍّ قذر لا يستهدف أحداً بعينه ولا يمهّد لقوة مرتبطة بالغرب بعينها لاقتحام مكان ما أو السيطرة عليه أو لملء الفراغ. هو استهداف للبنى التحتية في سورية، التي دفع ثمنها الشعب السوري من دمه وبناها على مدى أربعة عقود، بحجة سيطرة داعش على المحطة الحرارية في حلب منذ عام ونصف العام، تلك المحطة التي لم يستهدفها الجيش السوري منذ أن سقطت، بل حاول على الدوام التعامل مع الإرهابيين تحت ضغط تجنّب تدمير إنجازات نوعية تحسب للسوريين ودولتهم على مدى سنوات استقرارهم من جهة، ومن جهة أخرى تحت ضغط الواجب الذي تتحمله الدولة تجاه أبنائها. هنا كان على الدوام يتم الاتفاق على إعادة تشغيل المحطة التي تعمل على الغاز مقابل تلبية شروط معيّنة لإرهابيي داعش المتمترسين داخل المحطة.
هذا هو الفرق بين تحالفين. وهذا هو الفرق بين معارضة مرتهنة ودولة، فما عجزت عنه الميليشيات المرتبطة بالغرب والتي تندحر تحت ضربات الجيش السوري والقوة الجوية الروسية، أكملته الولايات المتحدة. فمع تدمير المدينة القديمة والسوق وغيره من التراث الإنساني في حلب، ومع استكمال تدمير البنى التحتية والخدمية في المدينة، ونهب المعامل من قبل التركي، جاء دور واشنطن التي توّلت هي استكمال المهمة وضربت المحطة الحرارية في حلب للمرة الثانية على التوالي في فعلٍ انتقامي ليس غريباً عن راعي البقر الأرعن الذي يقود العالم بالترهيب والقمع.
أيقنت الولايات المتحدة وآلتها العسكرية أن معركة حلب والتقدم النوعي للجيش السوري والقضم التدريجي المنسّق في مختلف جبهات حلب، ليس أمراً من الممكن مواجهته، وأدركت أن المساحة الجغرافية تتحوّل في عاصمة الشمال أكثر فأكثر لمصلحة ترسيخ معادلة داعش والدولة السورية، فلجأت بحقدٍ أعمى إلى تدمير محطة تحويل الرضوانية، وهي بذلك حققت هدفين في صلب مهام ما يُسمّى الفصائل المسلحة المعارضة في سورية: الأول تدمير البنى التحتية في سورية بشكلٍ شبه كامل. والثاني، العقاب الجماعي لمن اختار البقاء في سورية ودافع عن وحدتها وأبقى على أمل الحياة بين جوانب أزقتها والمثال الأقسى هنا حلب التي عاد سكانها إلى الظلام بفضل تدمير الطائرات الأميركية لمحطة الرضوانية وأجزاء من المحطة الحرارية بحجة تحصّن داعش داخلها، فهل لم يبقَ سوى هذا المكان لداعش في طول البلاد وعرضها كي يتم استهدافه أميركياً، وهل تنتهي الحرب الأميركية بمجرد ضرب المحطة الحرارية في حلب؟
الجواب هو نعم، تنتهي المهمة الأميركية، بعد التدخل الروسي الذي قلب الطاولة على رأس أوباما، باستكمال ما تعجز عنه الميليشيات المسلحة التي ستتُرك لمصيرها، والأهم في الخطة هو تدمير البنى التحتية والإرث الحضاري والهوية التاريخية لسورية الثمانية آلاف عام قبل الميلاد.
|