محاولات لإعادة إحياء «جيش الفتح» في إدلب، وتشكيل موازٍ له في حلب تحت العنوان ذاته، تقدّم ميداني من جانب المجموعات المسلّحة المنضوية عملياً تحت راية هذا الجيش في ريف حلب الجنوبي، ومحاولة لتغيير التوازن الميداني في عاصمة الشمال للعودة إلى ما قبل الغارات الروسية.
تصعيدٌ إقليميّ من جانب الرياض وأنقرة والمعارضات المرتبطة بهما سواء السياسية أو العسكرية، وحملةٌ إعلامية غربية موازية لها تترافق مع تقرير لصندوق النقد الدولي حول احتياطيات مصرف سورية المركزي النقدية، وتصريحٌ واضحٌ لوزير الخارجية الأميركيّ جون كيري يرسم حدود تحرّك الدولة السورية والحلفاء في حلب التي صارت منطقة محرّمة على الدولة السورية، قبل أيّ فصيل آخر سواء من الكرد أو المليشيات الإسلامية المسلّحة المرتبطة بالغرب وبالإقليم.
صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية تخرج بدورها لتبرّر ما يجري من تحالفات في الشمال مع «النصرة» لتقول إن «الثوّار السوريين يواجهون إما القبول بالعفو الذي أعلنه الأسد، أو الفرار من سورية، أو الكفاح ضدّ النظام إلى جانب المجموعات المتطرّفة». فهل ثمّة قرار أميركي بشطب «النصرة» من المعادلة؟ أم أن هذا القرار بانتظار ردود فعل موسكو وتنازلاتها أولاً، وتكريس أمر واقع جديد ثانياً؟
لا شكّ في أن القرارات الدولية الخاصة بسورية ومن ضمنها 2254، وقرارات مجموعة الدعم في فيينا، وقرار الهدنة الروسية ـ الأميركية في سورية الذي بدأ سريان مفعوله ليل 27 شباط الماضي، يستبعد «النصرة» كما «داعش» من أيّ وقف لإطلاق النار، ويضع التنظيمَين على كفّة واحدة من ملفّ مكافحة الإرهاب الجديد الذي يترأسه تحالف أوباما. لكنّ الوقائع على الأرض وغضّ الطرف الغربي عن «النصرة»، وتبرير النخب للقتال إلى جانبها باعتبارها القوة الأكثر تنظيماً بعد «داعش»، هذه الأمور مجتمعة تشير إلى أن واشنطن تريد توظيف «النصرة» في سورية، كما «داعش» في سورية والعراق من أجل ابتزاز موسكو التي عادت إلى المنطقة، وضمان بقاء ديناميكية الحرب السورية تحديداً على الوتيرة ذاتها.
«إمارة النصرة»:
لا قرار غربياً لمحاربة الإرهاب فعلياً في سورية. والتفجيرات التي حصلت في أوروبا لم تدفع إلى تغيير جذريّ في مقاربة هذا الملفّ، فضلاً عن أن التقدّم الميداني للمليشيات الإسلامية في ريف حلب، والقصف العشوائي على أحياء مدينة حلب الغربية، وإن كان في ظاهره تصعيداً إقليمياً تركياً وسعودياً، إلا أنه في المحصلة العامة مدعوم أميركياً باشتراط لفصل القوات في حلب والتقيّد بخطوط التماسّ الميداني بين القوى المختلفة ومن ضمنها الجيش السوري الذي لن يسمح له بالتقدم أكثر. وذلك وفق استراتيجية أميركية عامة تهدف إلى احتواء موسكو عبر التلويح بجزرة الحلّ السياسي.
في ظلّ ما سبق، وفي ضوء التطوّرات الميدانية والمواقف السياسية الأخيرة، فإنّ «النصرة» التي تتقدّم في الشمال تحديداً، وتحييد إدلب عن أيّ معركة عسكرية، ومحاولة تثبيت الهدنة في ريف اللاذقية لمنع معركة جسر الشغور، إضافةً إلى محاولة كسر الخطوط الميدانية التي أرسيت في حلب بعد التدخل العسكري الروسي المباشر، والتسريبات الإعلامية عن «تبادل نقاط الرباط» بين «النصرة» والمليشيات التركمانية في حلب. هذه الأمور مجتمعة تحمل في طيّاتها احتمال تطوير وضعية «النصرة» وخلق أمر واقع جديد تمهيداً لحرب عليها تراعي الوضعية الجديدة التي ستدفع محور الدولة السورية والحلفاء إلى تقديم تنازلات إضافية، وهذا يتجلّى بخلق «إمارة إسلامية» جديدة لـ«النصرة» في شمال سورية، يرافقها في مرحلة متأخرة، وفي ظلّ العملية التفاوضية، خلق منطقة آمنة بمفهوم مرن وغير تقليديّ تسيطر عليها الجماعات المرتبطة بواشنطن وقوى الإقليم من غير المبايعة رسمياً لتنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، تمهيداً لحرب جديدة على «النصرة»، وهو ما أشارت إليه صحيفة «إندبندنت» البريطانية بقولها إن «النصرة تعدّ العدّة لإعلان دولتها المستقلة في سورية، بعدما استجمعت قواها بسبب الحملة الدولية التي تتم ضدّ تنظيم داعش».
إن الانتقال إلى إنشاء «إمارة إسلامية» جديدة إلى جانب «داعش» في سورية خطوة إضافية على طريق استنفاد ما تبقى من مقدرات الدولة السورية السياسية والبشرية والاقتصادية، ووسائل الضغط هذه كلّها ستستخدم دفعة واحدة لمنع معركة حلب، والدفع باتجاه تفاهمات سياسية حولها لن تفيد في شيء سوى تأجيل الصدام ورفع كلفه. فالمعركة في حلب هي الأساس، وإن لم يتم استعجال حصولها ستبقى البلاد في مواجهة سنوات أخرى من الحرب القذرة ربما تتجاوز التقويم الدموي الذي بدأ في سورية منذ آذار 2011.
|