يُعقَد اليوم اجتماع «مجموعة دعم سورية» في نيويورك الأميركية لبحث الحلّ السياسي في سورية. الاجتماع سبقته زيارة قام بها وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى موسكو، التقى خلالها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي ـ لولا موافقته ـ لما تم الاجتماع الذي قال بوتين عشية انعقاده: «نتفق مع النقاط الرئيسة في الخطة الأميركية للتسوية في سورية». وهو ما يمنح الاجتماع جرعةً من التفاؤل بإمكانية الوصول إلى تحديد أطر ملزمة للتسوية يمكن لحظها من التطورات التالية:
ـ الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية إلى موسكو وعرضه خطةً أميركية على موسكو على إثرها قبلت الأخيرة عقد المؤتمر. ومن المتوقع أن تتضمن الخطة القائمة الأميركية لـ«المعارضة السورية السياسية» التي ستشارك في التفاوض مع الدولة السورية، فضلاً عن قائمة التنظيمات الإرهابية التي لا تزال بحاجة إلى تعديل لكنها باتت أقرب إلى تمنيات الكرملين. كما ترسّخ هذه الخطة «تجاهل النقاط الخلافية الحساسة» والتي يأتي على رأسها ملف الرئاسة السورية وشخص الرئيس تحديداً والذي بات عدم ذكره وتجاوزه مخرجاً للأميركي من مأزق التكيّف مع بقاء الأسد بفضل الصمود أولاً، والمعادلة التي أرساها التدخل العسكري الروسي ثانياً.
ـ التوجّه إلى مجلس الأمن الدولي بالتوازي مع عقد اجتماع نيويورك، هذا التوجّه الذي يهدف وفق جون كيربي المتحدث بِاسم الخارجية الأميركية إلى استصدار قرار «وقف تمويل داعش» وهو ما سيكون له تأثير مباشر على قوة التنظيم وعلى القوى الداعمة له، باعتباره لا يشابه القرارات السابقة بل يأتي في إطار تحويل التوافقات الدولية في ما يسمى «الحرب على الإرهاب» و «تسوية الأزمة السورية» إلى قرار أممي ملزم لكافة الأطراف التي وقّعت وقبلت بمسار فيينا، هنا يقطع الطريق على أي محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى «جنيف 1»، ويتم تثبيت النقاط العامة للحل السياسي وفقاً لموازين القوى على الأرض في سورية، وفي هذا السياق أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف على «ضرورة إصدار قرار دولي دعماً للاتفاقات التي تم التوصل إليها في فيينا في شأن سورية وأن تمرير تلك الاتفاقات في مجلس الأمن لن يعني إعادة كتابتها… أريد أن أشدّد مرة أخرى على أن الحديث لا يدور عن إعادة كتابة ما تم التوصل إليه في فيينا، بل عن إضفاء صفة تشريع دولي عليه». وفي شأن وضع قوائم للتنظيمات الإرهابية في سورية وفصائل المعارضة الوطنية، أكد لافروف أن «الكلمة النهائية في هذا الموضوع يجب أن تكون للأمم المتحدة، وأنه من المنطقي تسجيل التفاهمات التي تم التوصل إليها في هذا الشأن في نص القرار الدولي المرجوّ».
ـ مصير الرئيس السوري بات من الأمور التي يجب تجاوزها والمضيّ قدماً بخطوات حل الأزمة السورية، ويجب أن تكون الكلمة في هذا الخصوص للشعب السوري. ولعل المؤشر الأبرز على قبول الصيغة الروسية السورية المتعلقة بهذه العقدة، تلك التي أشار إليها أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون والذي لا ينطق بناءً على رأيه الشخصي، إنما بناءً على إدراكه حقيقة مواقف الكتلة الغربية في مجلس الأمن الدولي الممثلة للدول الدائمة العضوية فقد قال: «من غير المقبول رهن التقدم باتجاه تسوية سياسية في سورية بمصير الرئيس السوري بشار الأسد». وأوضح: «مبدئياً، يعود للشعب السوري اتخاذ قرار في شأن مستقبل الرئيس الأسد، لكنني أعتقد أيضاً أنه من غير المقبول أن يرتهن حلّ هذه الأزمة بمصير رجل واحد».
ـ المكان الذي سيعقد فيه الاجتماع حول سورية هو مدينة نيويورك الأميركية حيث لا فرصة لأعضاء محور واشنطن بالتشكيك في البيان الذي سيصدر عن الاجتماع وما سيتفق عليه ويوقّع عليه، ولا أمل في نسف اجتماع المدينة الأميركية والعودة إلى جنيف أو أي مسارٍ آخر. كما أن الاجتماع في نيويورك سيعقد بموافقة روسية لولاها لما تم الاجتماع. جملة أمور تعكس جدية الرغبة الأميركية في إطلاق مسار الحل السياسي للأزمة السورية من داخل الولايات المتحدة ومن أروقة الأمم المتحدة تحديداً بصيغة قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يكرّس البيان أو يسبقه فيدعم ما سيصدر عنه.
يدرك الروسي جيداً حاجة الأميركي إلى الخروج من المأزق السوري بعدما قلبت موسكو الطاولة على رأس الجميع. وبهذا البعد المعنوي الشكلي الإعلامي يريد لاجتماع نيويورك أن ينجح ويصوّر أن أوراق الحل في سورية باتت في نيويورك، بينما سيد الكرملين هو من افتتح أعمال المؤتمر داخل الولايات المتحدة بالنيابة عن الرئيس الأميركي باراك أوباما، ومجموعة «أصدقاء سورية» ألغيت لمصلحة مجموعة «دعم سورية» التي تضمّ موسكو وطهران.
|