دخل عناصر من «الفرقة ثلاثون» المدرّبون أميركياً من الأراضي التركية عبر أعزاز في ريف حلب الشمالي، تحت غطاء جوّي من التحالف، لمنع «داعش» من السيطرة على مدينة مارع التي تعدّ أحد آخر الطرق الواصلة بين مدينة حلب والحدود التركية ـ السورية وأهمها.
وكان عناصر من الفرقة ذاتها، التي تعدّ باكورة برنامج التدريب والتسليح الأميركي الذي وافق عليه الكونغرس السنة الماضية، قد دخلت إلى سورية منذ حوالى الشهرين، وتعرّض عناصرها الـ55 للخطف والقتل على أيدي عناصر «جبهة النصرة»، الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية. فهل تعلّمت الولايات المتحدة من الخطأ الذي وقعت فيه سابقاً وهل تلافته؟
اعترف الكاتب الأميركي ديفيد أغناتيوس في مقال له منذ حوالى أسبوعين في صحيفة «الشرق الأوسط» السعودية بانقلاب «جبهة النصرة» على المقاتلين الذين درّبتهم الولايات المتّحدة في تركيا. فالتنسيق بين الطرفين كان قائماً، و«جبهة النصرة» كانت قد أعطت الأمان لـ«الفرقة 30» من أجل دخول الأراضي السورية. لكن أحد قادة الفرقة وهو أردنيّ الجنسية، اعترف بنقض «النصرة» للاتفاق، وهو ما يعدّ أحد أسباب الفشل الأميركي في مهمة تدريب «المعتدلين» في سورية، فضلاً عن أسباب أخرى أهمّها اعتماد واشنطن على تقدير الموقف التركي الخاص بالميدان السوري، ونقص المعلومات الاستخباراتية الأميركية عن حقيقة توازن القوى في شمال سورية، وقلة خبرة المتدرّبين على يد الأميركيين في سورية، خصوصاً أن المطالبات داخل الإدارة الأميركية نفسها تشير إلى ضرورة التعجيل في البرنامج. واستناداً إلى ما سبق، فإنه من المستغرب إصرار الإدارة الأميركية على الزجّ بمقاتلين إضافيين وبأعداد قليلة نسبياً في شمال سورية التي يتقاسم فيها النفوذ إلى جانب «داعش» كلٌّ من «النصرة» و«الإخوان المسلمين». لكن التطوّر النوعيّ البارز في الميدان يبقى الهجوم الذي شنّه «داعش» على مدينة مارع ودخول سلاح الجوّ الأميركي مباشرةً لحماية المقاتلين المدرّبين، وهو ما يشير إلى حقيقة توجيه الدعم الأميركي في سورية والهدف منه. إذ تحتل حماية تنظيمات الإخوان وتلك المتعاونة معها أولوية في أجندة الإدارة الأميركية ولبّ الاتفاق التركي ـ الأميركي باستثناء التدخّل البرّي المباشر في سورية و«المنطقة العازلة» بحسب التعريف التركي لها. فالقوة البديلة عن «داعش» في شمال سورية لا تزال تداعب مخيّلة إدارة أوباما. وبمقتضى هذه الفكرة، تحتل أولوية الحفاظ على مارع بإخوانها قائمة الأهداف الأميركية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى يتّضح أن المعركة في حلب وشمال سوية لا تزال معركة الناتو على الأرض السورية، وإن حُيّد الحلف عن المغامرة التركية في سورية. فالحرب تتم عبر وكلاء إقليميين تُحوَّر زوايا طموحاتهم وفق الرغبة الأميركية مع الإبقاء على التوكيل الممنوح لهم على الأرض السورية. ووفق هذا المفهوم، يتم تبنّي تدريب ميليشيات تركمانية ترتبط قومياً بتركيا على الأرض السورية لموازنة الوجود الكردي بما يحقّق توجّه أردوغان، وللعمل على اختبار قوة الميليشيات المرتبطة بأنقرة وقدرتها على تحقيق الأهداف الأميركية في سورية إن استطاعت ذلك. أما في ما يخصّ دخول طائرات التحالف على خطّ حماية عناصر «الفرقة 30»، فهو أمرٌ لا يزال دون مستوى الطموحات الأميركية، ودونه عقبات قد تهدّد في حال استمراها بتعقيد الموقف على الأرض، فيما لا تزال أسباب فشل تجربة الدفعة الأولى من «الفرقة ثلاثون» على حالها، لكن الاستمرار في الخطأ وتجريب الاستراتيجيات على الأرض السورية مستمرّ، وحماية الإخوان في صلب الاستراتيجية الأميركية التركية الخليجية في سورية.
|