منذ سنة، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما بداية الضربات الجوّية لتحالفه الدولي العربي ضدّ تنظيم «داعش» الإرهابي في سورية والعراق. في العراق كانت العمليات على أراضيه قانونية، تمّت برضا الحكومة العراقية والتنسيق المباشر معها في ما يخص العمليات العسكرية. أما في سورية فقد اختلف الوضع، انكفأ الأوروبيون عن القتال فيها وأعطي الدور للطائرات العربية لقصف «داعش» إلى جانب الولايات المتّحدة. لم يشأ الأوروبيون التورّط في سورية. فيما الفرنسيون وحدهم أرادوا أن ينكفئوا بحجة سياسة الـ«لا ـ لا» التي تقوم على عدم المشاركة في قصف لا «داعش» ولا الدولة في سورية على قاعدة عدم المساهمة في إضعاف تنظيم «داعش» بما يساهم في تقوية شوكة «النظام» السوري على الأرض.
اليوم تغيّرت المعطيات، فرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في صراع مع البرلمان للموافقة على مشاركة الطائرات الحربية البريطانية في العمليات الأميركية داخل الأراضي السورية. في وقت يرفض بعض النواب في مجلس العموم هذا الأمر بحجة عدم موافقة الحكومة السورية عليه، والمخاوف من التداعيات الأمنية في الداخل البريطاني من جرّاء المشاركة في قصف سورية. أما فرنسا، التي وصف بعض المراقبين انقلابها على استراتيجية الـ«لا ـ لا» بالتحوّل النوعي، فهي تدخل متأخرة إلى جانب الولايات المتّحدة بحجة أزمة اللاجئين مسترضيةً رأيها العام، ومحاولةً وضع موطئ قدم لها في الفوضى السورية، وسط سقف أميركي مفتوح وغامض في سورية يسمح للحلفاء بالتجريب وتنفيذ بعض استراتيجياتهم.
بالتوازي مع كل ما سبق يأتي الموقف الروسي والحملة الإعلامية الأميركية الأوروبية الصهيونية على ما يسمى بزيادة الانخراط العسكري الروسي في سورية، ليلقي بظلاله هو الآخر على المشهد السوري في ظل مقترحٍ روسي لتشكيل تحالف إقليمي على الإرهاب يضم الجيشين السوري والعراقي اللذين وصفهما وزير الخارجية سيرغي لافروف بأنهما «القوتين الوحيدتين القادرتين على محاربة داعش»، فهل يقف الاختلاف في الاستراتيجيات في سورية على القطبين الأميركي والروسي، أم أن اختلاف الاستراتيجيات الخاصة بالحرب على «داعش» يمتد إلى داخل تحالف أوباما؟
مع الخلاف والاختلاف والتنافر والتضارب وكل ما يميّز الموقفين الروسي والأميركي من سورية وحلفيهما حول محاربة «داعش»، فإن الحلف الأميركي في حدّ ذاته لا تجمعه استراتيجية واحدة لمحاربة «داعش» في سورية. فالتنسيق في الضربات الجوية لا يعني وجود استراتيجية واحدة. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يفضّل الضربات بطائرات من دون طيار في سورية بناءً على معلومات استخباراتية. فيما باريس تريد، بعدما تستطلع طائراتها الأراضي السورية، أن تستخدم سلاح طيرانها محاولةً التمايز في الاستطلاع عن واشنطن التي يفترض أنها تقود حلفاً للحرب على «داعش» في سورية يملك غرفة عمليات مشتركة وبالتالي بنك أهداف خاص به، على رغم أن المحاولات الفرنسية للتمايز لا ترقى إلى المستوى الذي يحسب له حساب. ففي مسرح عمليات العراق للتحالف الأميركي قامت واشنطن بـ6500 طلعة جوية، بينما باريس لم تقم سوى بـ200 وهو ما يجعل دور هولاند وتحولّه في سورية رمزياً.
أما الولايات المتّحدة فإنه من الملاحظ اعتمادها في العراق على الغارات بشكل أكثر كثافة من سورية واستعاضتها في الساحة السورية ببرنامج تدريب «المعتدلين» الذي يلاقي بدوره اعتراضات داخل النخب الأميركية حول عدم جدواه في ظل الزج فقط بـ60 شخصاً من أصل 1500 كان من المقرر تدريبهم خلال سنة من بدء الحرب على «داعش».
تبادلٌ للأدوار وتجريب داخل تحالف أوباما له هدف يتجلى بالتغاضي عن تقدّم «داعش» و«النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإسلامية المتطرّفة في سورية، فالمهمة الأساسية ليست القضاء على «داعش»، إنما رسم حدود تمدّده بما لا يؤثر مباشرةً على مناطق نفوذ الولايات المتّحدة في المنطقة، ربما هذا ما يفسّر هذه الحملة الأميركية على زيادة التدخل العسكري الروسي في سورية، فالخوف من استهداف دولي إقليمي حقيقي لتنظيم «داعش» يعدّ أحد أهم مسبّبات هذه الحملة.
|