يرفض البعض المقارنة بين أكراد سورية والعراق، والحجة الأساس عدم وجود اتصال جغرافي لمناطقهم في سورية كما هو في العراق، فضلاً عن عدم رجحان المكوّن الكردي الصافي في مناطق الوجود الكردي في سورية، والبعد السياسي للقضية الكردية العراقية الحاضر في التاريخ الحديث منذ سبعينيات القرن الماضي باتفاقيات بين الكرد والدولة المركزية، وهذا غير موجود في سورية. وعلى الرغم من القوة والحجة التي تملكها الأسباب آنفة الذكر، إلا أنّ الإدارة الأميركية مصرّة على المضيّ في مخططها الكردي في سورية والعراق، والعبرة في الأخطاء التي ترتكب على المستوى الاستراتيجي السياسي، والتي ستؤدّي في حال استمرارها إلى عزل الأكراد عن محيطهم، وحصارهم، كما هو الوضع الناشئ اليوم في العراق مع مسعود البرزاني، فهذا الأخير، وبدعم أميركي وإسرائيلي وحتى خليجي، أجرى استفتاءً على استقــلال «إقليم كردستان» وإقامة دولة كردية تشمــل دهوك والسليمانية وأربيل، إضافةً إلى المناطــق التي استولى عليها الأكراد بعد 9 حزيران 2014 التي تضمّ كركوك وسنجار وبعض مناطــق من محافظات صلاح الدين وديالى، وهنا أخطأ، فالرجل لم يتوقع توجه الجيش العراقــي إلى كركوك «قدس كردستان» في أدبيات حزب «الاتحاد الديمقراطي الكردستاني»، واستعادتها بهذه السلاسة، حيث ظهر واضحـاً الانقسام الكردي الداخلي، ومفاعيل عدم الرضا الإقليمي، وتمّ ضرب مشروع البرزاني المدعوم أميركياً وإسرائيلياً عرض الحائط، وسيخسر الزعيم الكردي المخدوع كوالده جغرافياً مساحة تعادل مساحة إقليمه المستقلّ ذاتيــاً، ومعها يتعرّض لحصار، وينهي نموذج أربيل الاقتصادي في المدى المنظور.
في سورية، وعند حيثية الإقليم وموقعه، والخلاف الكردي الداخلي، والتوسّع غير المبرّر بحجة الحرب على الإرهاب، والرفض المبدئي لأيّ استقلال عن الدولة المركزية، يتلاقى مصير انفصاليي أكراد سورية مع نظرائهم من أكراد العراق، فهل يتراجعون أم يستمرّون في الركب الأميركي؟
صحيفة «واشنطن بوست» رأت في تقرير لها أنّ أكراد سورية «يحرزون تقدّماً نحو هدفهم الأقلّ طموحاً، وهو كسب الاعتراف بالحكم الذاتي للمناطق التي استولوا عليها خلال الحرب السورية» وهم يجدون مزيداً من «الدعم المحلي والدولي» وربما الأهمّ «لديهم الأرض، ويتلقون الدعم من الولايات المتحدة في المعركة ضدّ داعش، ويملكون معظم الحدود الشمالية مع تركيا، وقد توسّعوا إلى مناطق كردية يهيمن عليها العرب»، وتختم الصحيفة بالقول إنّ «روج آفا تمثل مشروعاً اتحادياً وتعتبر بمثابة الدولة التي طال انتظارها». إنّ ما سبق يعكس التوجه الأميركي الحالي الذي يدفع باتجاه اللعب بورقة الكرد السوريين إلى النهاية، لكن هل يستطيع الأكراد الاستمرار في الرقة حتى بعد عملية التدمير الممنهج لها وتفريغها من سكانها؟ هل يستمرّ رفع العلم المناطقي بدل العلم الرسمي؟ ماذا عن مصير عفرين في ظلّ الاحتلال التركي لجبل الشيخ بركات المطلّ على الجيب الكردي في ريف حلب؟
ما هو مصير حقول النفط في دير الزور في مرحلة ما بعد داعش؟ ما هي وجهة الجيش السوري ما بعد تأمين مدينة دير الزور والحدود السورية العراقية وصولاً إلى البوكمال؟ ألا تشكل الحسكة وريفها أولوية يتوجب الاقتراب منها حتى في ظلّ الاحتلال الأميركي؟
الانقسام في سورية بين أكراد الريف والمدينة حاضر منذ مئات السنين، والاستقلال التدريجي بدايةً بالحكم الذاتي دونه عقبات، والإقليم لن يسمح، وهنا يبقى الرهان على التفاوض القائم على الاعتراف بالحقوق المحلية والثقافية لأكراد شمال سورية في إطار الدولة المركزية التي تسيطر على المنافذ الحدودية والقطاعات الاقتصادية، أساساً لعدم تكرار تجربة كركوك وسنجار، وإلا فإنّ ما جرى سيتكرّر في الرقة أولاً إنْ لم يكن في المدى المنظور، سيكون في المستقبل.
|