المنطقة على صفيح ساخن، ومؤشرات اندلاع مواجهة ميدانها سورية أمرٌ لا يمكن التغاضي عنه، حتى لو أن المنطق والعقل، وتوازن القوى، وعامل مسك الكيان الصهيوني من الحزام، واحتمالات اندلاع حرب عالمية لا ترغب كلّ من واشنطن وموسكو خوضها لا تزال حاضرة وبقوة، وحتى لو أن وضعية سورية بالنسبة لمحور المقاومة، وبالنسبة لمحور مكافحة الإرهاب الذي تنتمي إليه المقاومة، هو أفضل استراتيجياً وعسكرياً وميدانياً بما لا يُقاس به الأمر في العام 2013 عندما تحرّك الرئيس الأميركي الأسبق باراك اوباما ومعه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لضرب سورية.
لكن المؤشرات الحالية التي تضع المنطقة على حافة الهاوية باتت ترجّح كفة مغامرة لتحريك خطوط الردع تكتيكياً على الأقل وتغيير الستاتيكو القائم حالياً، ومن هذه المؤشرات:
التغيّر في توجّهات النخب الحاكمة في أوروبة، وتحديداً في المجالس التشريعية التي تعكس تقاطع مصالح هذه النخب من سورية. وهذا الأمر لم يكن موجوداً في العام 2013، فعلى الرغم من الانتقادات التي تتعرّض لها رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، والرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، إلا أن مجلس العموم البريطاني أيّد مشاركة بريطانيا في العدوان الثلاثي على سورية، والكونغرس الأميركي أيّد هذا الأمر أيضاً، وهو ما لم يكن وارداً في العام 2013، فكفّة عدم التصعيد العسكري المباشر في سورية كانت هي الحاكمة لمزاج النخب الحاكمة المشرّعة. والأمر لم يكن موضوع سلطة حاكمة ومعارضة، بل يتعلّق بالمزاج العام الذي تغيّر اليوم، وفي هذا السياق نشرت صحيفة واشنطن بوست استطلاع رأي جديداً «لجامعة كوينيبياك» جاء فيه «الجمهوريون يدعمون الضربات بفارق 6 نقاط عن دعمهم لسياسة ترامب، فيما الديمقراطيون يدعمونها بفارق 29 نقطة». وهذا يشير، وفق الصحيفة، إلى ظاهرة غريبة وهي أن «الكثير من الديمقراطيين لا يوافقون على كيفية تعامل ترامب مع سورية، لكنهم وافقوا على السمة المميّزة لتعامل ترامب مع سورية».
الصراع الروسي الأميركي، والروسي الأوروبي على المستوى الدولي، وتدهور العلاقات بين واشنطن وموسكو، ليس بالأمر الذي يمكن التغاضي عنه، ومحاولة استفزاز روسيا في سورية هي استراتيجية تشابه تلك الخاصة باستفزاز إيران في سورية، وخطوط التنسيق الأميركية الروسية غير قادرة دائماً على احتواء التطوّرات في حال حصول اعتداء مفاجئ من «أهداف معادية» تتجاوز الخطوط الحمر.
الأزمات الداخلية التي يعاني منها أقطاب دول العدوان الثلاثي على سورية، والدول الإقليمية التي تقف على يمين إدارة ترامب في الملف السوري والإيراني بطبيعة الحال، أي الكيان الصهيوني ومملكة آل سعود. وهذا أمر لم يكن موجوداً في العام 2013، فترامب يعاني داخلياً من تهمة التعامل مع روسيا، ومن تهم أخلاقية تخدم المسار الخاص بالتهمة السابقة. أما رئيسة وزراء بريطانيا فهي تعاني من تداعيات «البريكست» وتحاول الهروب إلى الأمام، شأنها شأن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي يحاول مواجهة الحراك الاجتماعي داخل فرنسا تجاه سياساته الاقتصادية الاجتماعية.
تعويم العداء لإيران أكثر فأكثر، عبر التطبيع السعودي الإسرائيلي المباشر والفج والعلني، وتحرّك ممالك العرب للاصطفاف خلف الرياض في هذا الملف تحديداً، وهذا يفسّر قطع المملكة المغربية علاقتها مع إيران على خلفية ما قالت إنه «دعم لجبهة البوليساريو» في الصحراء الغربية.
مصير الاتفاق النووي الإيراني، واستعراض رئيس وزراء العدو الصهيوني بنيامين نتنياهو حول الدلائل الدامغة على استمرار إيران في برنامجها النووي العسكري، هذا الاستعراض الموجّه إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب لدفعه للخروج من الاتفاق النووي، وهو الخيار الراجح في ضوء موقف أوروبي لا يعوّل عليه، بل حاول التمايز عن ترامب باقتراح التفاوض حول اتفاق جديد مع إيران، وهذا أمر يعني بكافة الأحوال تسليم أوروبة بالسياسة الأميركية، وانعدام أي رهان على أدوات ضغط اوروبي فاعلة، أو حتى تمايز أوروبي في مسألة الاتفاق النووي المبرم بين مجموعة 5+1 وإيران في تموز من عام 2015.
تصعيد التدخل الإسرائيلي الميداني في سورية ضد مواقع عسكرية سورية ومطارات في الآونة الأخيرة، والإصرار على أن هذا التصعيد موجّه ضد إيران، وهو أمر يهدف إلى استفزاز طهران وجرّها نحو حرب أو إجبارها على التغاضي والسكوت، وهو محاولة لسحب المأزق الاستراتيجي الإسرائيلي الحالي في سورية على إيران، بمعنى وضع طهران في خيارات أحلاها مرّ، كما هي الخيارات لدى الاحتلال التي تتراوح بين التسليم بالواقع الحالي في سورية، أو محاولة تغييره دون معرفة العواقب وتوقع النهايات، أو الاكتفاء بالردع الحالي واللعب على الردع العسكري التكتيكي الذي لا يولّد حرباً. وهو أمرٌ أثبت فشله في ضوء بسط الدولة السورية والحلفاء سيطرتهم على غالبية الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجماعات المسلّحة في سورية.
مصادقة الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 62 صوتاً مقابل معارضة 41 صوتاً على تعديل قانون «أساس الحكومة»، يتمّ بموجبه نقل صلاحية اتخاذ قرار الحرب من الحكومة الصهيونية إلى المجلس الوزاري المصغّر، وتضمين التعديل أنه يحق لرئيس الحكومة ووزير الأمن وحدهما اتخاذ قرار بشن حرب في ظروف استثنائية.
الأنظار تتجه إلى ترامب في 12 من الشهر الحالي، وردود الفعل التي ستواكب قراره حول الملف النووي الإيراني، مع أن الراجح حتى اللحظة محاولة اتخاذه حلاً وسط، لا يبقي على الاتفاق بشكل نهائي لكن لا يلغيه، بل يحاول رمي الكرة في ملعب طهران والمطالبة بتفاوض جديد معها لإبرام اتفاق جديد، وفق الاقتراح الأوروبي المخفّف، وإلا سيكون مصير الاتفاق الإلغاء. أما في سورية فإن الحفاظ على قواعد اللعبة التي ترسّخت منذ العام 2012، ووضع أولوية مكافحة الإرهاب على رأس أجندة الأولويات، وتعزيز وضعية الجيش السوري ووضعية قوات الحلفاء، لا يبدو أنها قادرة على الصمود أكثر إن اختارت تل أبيب أن ترفع منسوب وحجم الاعتداءات تدريجياً، وهو أمر تسير عليه حالياً، لكن دون حساب العواقب التي يمكن أن تنتج عن هذا الانفجار.
|