عكس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصيغة الغربية الرسمية وتحديداً الأميركية للحل في سورية، منتظراً دخول الحرب المدمّرة على سورية سنتها الخامسة «لا حل من دون الأسد». فالمبادرات السياسية والمناورات الغربية حول ضرورة الحل السياسي الدبلوماسي للأزمة في سورية، والتي ينادي بها الغرب منذ بداية التدمير في آذار من عام 2011، وغضّ الطرف الروسي عن اللعب الغربي على المصطلحات، والقبول مرات ومرات بالدخول في لعبة الاحتواء المكشوفة لن تستمر إلى ما لانهاية، فالحرب في سورية مع توحيد الجهد السعودي ـ القطري ـ التركي ـ الأردني ـ «الإسرائيلي»، والتسليح النوعي للميليشيات الإرهابية التي أضحت «جيوشاً»، وفق توصيف الرئيس السوري بشار الأسد في لقائه مع الإعلام الروسي، قد تجاوز كلّ خطٍّ أحمر حاولت كلّ من موسكو وواشنطن اللعب ضمن حدوده منذ صفقة الكيماوي السوري في أيلول من عام 2013، والتي رسمت بدورها حدود العمل العسكري في الأرض السورية أقلّه دولياً. لكن اصطفاف الدول الإقليمية والأوروبية إلى جانب الرئيس الأميركي أخيراً في ما يمكن تسميته بالتكيّف مع البيت الأبيض واستراتيجيته، واستقبال الغرب مبادرة الرئيس بوتين للحرب على الإرهاب في المنطقة ببرود، ثمّ الانقلاب عليها سياسياً من وسط العاصمة الروسية، وميدانياً على مسرح عمليات يشمل الاراضي السورية كافةً من المنطقة الجنوبية مروراً بدمشق وليس انتهاءً بالمنطقة الشمالية ومعارك المطارات، فضلاً عن المخاوف من تحريك ملف اللاجئين السوريين أممياً، كل هذه الأمور دفعت موسكو إلى رسم خطوطها الحمراء العلنية الرسمية من الأزمة السورية من دون أي مواربة والتي تقوم على ما يلي:
ـ الاستراتيجية الروسية الخاصة بسورية والتقييم المرفق للأوضاع فيها ليس مجرد رأيٍ أو مبادرة، إنما هو موقف تمليه المصلحة الروسية العليا وثوابت الأمن القومي الروسي مع ما يحمله ذلك من متطلبات حماية هذا الأمن في المناطق التي تعتبر ضمن المجال الحيوي للاتحاد الروسي. هنا تبرز سورية باعتبارها موطئ القدم الأخير لموسكو في المياه الدافئة والذي لا يمكن الاستغناء عنه.
ـ «كل الاحتمالات على الطاولة»، لطالما تغنى البيت الأبيض بهذه العبارة في إطار محاولاته لابتزاز دول العالم قاطبةً القوية منها والضعيفة، العدوة وحتى الصديقة، واليوم يأتي الدور الروسي الذي وإن وضع الدعم العسكري لسورية والوجود الروسي على الأرض السورية في إطار الاتفاقيات الموقّعة بين البلدين، إلا أنّه لم يغلق الباب أبداً أمام تطوير التدخل العسكري الروسي في سورية وفق مقتضيات الوضع على الأرض.
ـ خطوط بوتين الحمراء في سورية لا تقبل الجدل فهي تبدأ من أولوية محاربة الإرهاب المتمثل بالمنظمات الإسلامية المتطرّفة، ويمر ذلك عبر الاعتراف بالجيش السوري والرئيس الأسد كشرطين لازمين لتمرير مرحلة الحرب على الإرهاب. ثم ترك الشعب السوري ليقرّر مصيره. مع الإشارة على لسان بوتين إلى استعداد الرئيس الأسد «لإشراك قوى المعارضة البنّاءة في إدارة الدولة».
ـ لن تسمح موسكو إطلاقاً بتكرار التجربة الليبية في سورية مهما كانت مفاعيل أي قرار وتداعياته على الأرض. فالدور الروسي في سورية، وبغضّ النظر عن مداه وما يثار حوله، دورٌ مصيري لا تقارَن تداعيات تطويره على الأرض وما يستتبع ذلك من توترات مع الولايات المتحدة بتداعيات فشل الدولة السورية وسقوطها.
في الثامن والعشرين من الشهر الجاري يلقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كلمته في نيويورك التي لم تطأها قدماه منذ ثماني سنوات، خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والرجل لن يخفي دعوة بلاده من على منبر الأمم المتحدة لمحاربة الإرهاب وفق الرؤية الروسية التي صارت واقعاً على الأرض السورية، فيما العقوبات والتداعيات والتلويح الأميركي «بالفشل» الروسي لا تعدو عن كونها مزحة سمجة يدركها الرئيس الروسي وطاقمه. فتجربة أوكرانيا والعقوبات لم تسقط الدونباس في أوكرانيا، وهذه هي الأولوية بالنسبة إلى الكرملين.
|