تقدّمت إدارة القمر العربي «عربسات» بشكوى إلى الحكومة اللبنانية لطرد قناة «الميادين» من البلاد. فالبث ومنعه مسألتان تقنيتان لا علاقة لهما بالطلب إلى حكومة دولة هنا أو هناك. لم تحتمل مملكة الرمال أيّ انتقاد لها، فالسجود وتقبيل يد الملك فرضٌ على الدول والزعماء. فكيف إن كانت مجرّد قناة تلفزيونية؟
لهذا السبب، أريدَ دفع الحكومة اللبنانية قبل «الميادين» للسجود وتقديم صكّ ولاء إضافيّ للملك، وإلا انقطعت العطاءات والهدايا، ودخل الفريق المعطّل قرار الحكومة اللبنانية في مجازفة جديدة تتحكم بحياة البلاد والعباد.
يستغلّ القائمون على قمر «عربسات» الانقسام اللبناني، يستغلون ما قبلته الجمهوريات على نفسها من ارتهان للملكيات من أجل استمرار شكل الجمهورية ليس إلا، وتستغل الرياض، رأس الخليج، كلّ ما هو متعلّق بالاستقطاب من أجل التدمير. لعلّ «الميادين» صارت اليوم تحسب على «المشروع الإيراني»، وليس بعض القومي وبعض العروبي وبعض الوطني القومي السوري والعراقي واليمني وغيره من مفاهيم تهمّ مواطن هذه الجمهوريات الواقع تحت نير الحرب الخليجية المدمّرة على دوله وتراثه.
اليوم وعبر الإعلام، ولا شيء سواه، يراد وضع لبنان وحكومته وتوازناته تحت ضغط التفجير مرةً أخرى. لكن التوازنات القائمة، وما فشل هذا الحاقد في تحقيقه في الميدان لن يتحقق في الإعلام والابتزاز الرخيص من قبل ممالك لم تفلح سوى في التزوير وطمس الحقائق وقطع الرؤوس وتأهيل كوادر لا تحمل فكراً، إنما تتلقى ما هو غربي مقولب ومفصّل على رغبة الملك الحاكم بأمر الله.
لبنان وانقسامه و«الميادين»، كسورية وقضيتها وانقسامها، فالبعض باتوا يعتلون منابر السعودية الإعلامية ليتكلموا عن الديمقراطية والحرّيات والقمع والحرّية الدينية وحقوق الأقليات، مستغبين عقولاً كانت الدول العربية وتحديداً الجمهوريات قد استغفلتها بحجة كسب ودّ الخليج وممالكه وضمان معونةٍ هنا أو قرضٍ هناك.
«الميادين» ليست ضحية المال الخليجي فقط، وسيطرة السعودية ومن ورائها واشنطن واللوبي الصهيوني على 95 في المئة من الإعلام العربي المرئي والمسموع والمقروء، إنما هي ضحية ارتهان للخليج وصمتٍ كسرته من دون تحزّب، وفضحته من دون فبركات. فالكاميرات في اليمن وفي سورية نقلت الواقع المؤلم كما هو، ودافعت عن حقوق شعوب بنت التاريخ وشاركت في صوغ ما هو أرضي وما هو فوق أرضي. «الميادين» أعادت لهذا الجيل صورة عبد الناصر، تحدثت عن شافيز وكاسترو وتشي غيفارا، دعمت المقاومة في لبنان وفي فلسطين، تبنّت معركة الجيش السوري ضد قوى الشر، ودافعت عن مفهوم الدولة في سورية بطريقة بعيدةٍ عن كل ما هو دعائي، ومن دون أيّ مزايدة، حتى أنها تعرّضت لانتقادات من المتعصبين لهذه الجمهورية وهذه الشخصية أو تلك ومن محور المقاومة، فالموضوعية تزعج أي متعصّب، فكيف إن كان هذا المتعصّب يسجد للملك ويقبّل يديه.
حوصرت سورية، مُنِع بثّ قنواتها الوطنية على قمر «عربسات»، وحوربت دولتها بأقذر أنواع الحروب من قبل الملوك والشيوخ فاقدي الشرعية الأخلاقية قبل الوطنية، واليوم يحارَب لبنان ويحضّر لمرحلة جديدة من التوتر عبر «الميادين». فهل نرضخ ونبني الجمهوريات وفقاً لرغبات أصحاب السموّ، أم نجعل من «الميادين» نموذجاً لكسر المحرّمات من دون استبدالها بمحرّمات أخرى؟
|