أواخر الشهر الماضي، وافقت الإمارات العربية المتحدة على فتح مكتب تمثيل دبلوماسي للكيان الصهيوني في العاصمة أبو ظبي تحت ستارة «وكالة الطاقة المتجدّدة إيرينا » وهي هيئة متعدّدة الأطراف تضمّ 144 دولة ويقع مقرّها الأساس في العاصمة الإماراتية.
البعض يقارنون العلاقة بين الكيان الصهيوني ودول الخليج وفتح مكتب ممثلية لمصالح البلدين بوجود بعثة لإيران في الأمم المتحدة في نيويورك على رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين إيران والولايات المتحدة. لكن هذه المقارنة القاصرة عن فهم الواقع مردّها إلى حرج الدول الخليجية من تفسير العلاقات مع الكيان الصهيوني في ظل تعطّل حل القضية الفلسطينية. لكن أسباب تطوّر العلاقة حالياً بين الخليج وكيان الاحتلال يعود إلى الأسباب التالية:
ـ الربيع العربي قلب أولويات المنطقة رأساً على عقب، وتحوّلت بوصلة العداء عن الكيان الصهيوني أولاً. كما فرضت على الدول العربية التي لا يشملها الربيع الأميركي المساهمة في إعادة صوغ النظام الإقليمي وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب في الدول التي شملها المد الجهادي الدولي، وكل ما سبق أدّى إلى تمرير ملف التطبيع مع الكيان الصهيوني بعدما بقي طيّ الكتمان خلال السنوات الماضية.
ـ القنصلية الصهيونية في الإمارات العربية المتحدة هي الثانية الرسمية في ممالك الخليج العربي، من دون أن يعلن عن مكان الثانية حتى الآن، لكن الشهور الأخيرة أظهرت حجم التنسيق القائم بين الرياض و«تل أبيب» في أكثر ملفات المنطقة سخونةً ومنها الملف السوري وما يرتبط به مباشرةً من ملف مواجهة إيران، هنا لا يغيب الملف اليمني عن تاريخ العلاقات السعودية الصهيونية في الحرب سابقاً على ناصر واليوم على الجيش اليمني وأنصار الله. وبهذا المعنى فإن «تل أبيب» تتواجد اليوم إلى جانب عرب الخليج في الجانب الأمني بشكل لا مثيل له، يجمعهم العداء لإيران والعمل ضدها على قاعدة استغلال «تل أبيب» ما يمكن تسميته أولويات الأمن القومي لدول الخليج والعروش المركبة على السلطة هناك التي ما رأت سابقاً ولا ترى اليوم في «إسرائيل» تهديداً لأمنها القومي.
ـ العلاقة المهزوزة مع الولايات المتحدة الأميركية، وفقدان الثقة بإدارة أوباما خلال السنوات الماضية، دفعا دول الخليج للبحث عن بديل أكثر موثوقية وأكثر تأثيراً في النخب الأميركية، هنا البديل لا يعني الابتعاد عن واشنطن واللجوء إلى تغيير شكل التحالفات كلياً، هذا أمر مستحيل. بل إن التغيير يعني استقطاب القوة الأكثر تأثيراً في خيارات الناخب الأميركي، وفي صراع مراكز القوة داخل الجسد السياسي الأميركي، من أجل التغطية على رهان دول الخليج على فريق داخل الإدارة دون غيره، حتى لو استدرج ذلك غضب الإدارة أحياناً.
ـ البعد الأمني الآخر للعلاقة مع الكيان الصهيوني يصب في إطار مكافحة التنظيمات المتطرفة في دول الخليج التي تشكل المصدّر الأول لآلات القتل البشرية تحت إطار الحرب السنية الشيعية والدفاع عن المظلومية السنية، والحاجة حيوية في هذا الإطار إلى التعاون مع «تل أبيب» التي تراهن على تحالف إقليمي تقوده هي ويضمّ ممالك النفط.
يوماً بعد يوم، يتعزز الوجود الصهيوني في الخليج، لا يشكّل هذا الأمر صدمةً لأحد. فالدور الوظيفي للمالك الخليجية يخدم الاستراتيجية الأميركية على الدوام ويعادي كل ما هو في مصلحة شعوب المنطقة، لكن الحديث عن مكتب التمثيل الدبلوماسي في الإمارات يتوجب الإضاءة عليه في ظل التحوّل من السرّية إلى العلن، والتوجّه إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني على قاعدة مشتركة تتوسع يوماً بعد يوم بسبب خطاب الاستقطاب وتردّد الإدارة الأميركية.
|