هل دخل العالم بكلّ نظمه وأحلافه وتكتلاته مرحلة الانهيارات الكبرى؟
سؤال فتح باب الاحتمالات واسعاً، وشقّ طريقه بسهولة في الاتجاهات كلّه، لأنّ فلسفة الحملة الانتخابية لدونالد ترامب، والتي أوصلته الى سدة الرئاسة الأميركية، تبرّر طرح السؤال!
ترامب لم يأتِ إلى رئاسة أميركا من فراغ، بل أتى محمولاً على ظهر الشعارات التي أطلقها، والتي وصلت الى حدّ مكاشفة الأميركيين بشأن خيارات مصيرية سيقدم عليها، متصلة بجدوى بقاء الغرب كمنظومة سياسية أو عدم بقائه، وجدوى الاستمرار في الإمساك بناصية العولمة أو الانسحاب منها، وجدوى الإبقاء على حركة التجارات الكبرى أو التخلي عنها، وأيضاً جدوى الإبقاء على حلف شمالي الأطلسي أو مغادرته…!
أن يطرح ترامب عناوين على قدر عالٍ من الخطورة، فهذا ليس «سحابة صيف» انتخابية ولا ترفاً سياساً، وبالتالي لا يجوز للمراقبين والمتابعين والمحللين التقليل من خطورتها واللجوء إلى التشكيك في جديتها بمجرد القول إنها ضرورات انتخابية.
سياقات الانتخابات الأميركية على مرّ السنين، لم تشهد طروحات تتخطّى السقوف المرسومة إزاء موضوعات أساسية واستراتيجية ومصيرية، لكن في انتخابات العام 2016، تمّ تجاوز هذه السقوف، إلى درجة قد لا تسمح بالتراجع الى حدودها.
ما هو معلوم، أنّ هناك أموراً قد تتعدّل، وأخرى قد يتمّ التراجع عنها، لكن ما هو ثابت، أنّ العودة الى مربع «السقوف المرسومة» تبدو متعذّرة إنْ لم نقل مستحيلة، وسبب الاستحالة أنّ ترامب لم يجرّ الأميركيين وحدهم خلف طروحاته، بل قَطَرَ معه آخرين كثراً، خصوصاً في القارة الأوروبية، حيث يسود تخوّف من عودة اليمين المتطرف للإمساك بالسلطة، في استعادة لمشهدية كانت متشكّلة عشية الحرب العالمية الثانية.
هو زمن الانهيارات العالمية قد بدأ، وليس بالضرورة أن يكون ترامب مسؤولاً عن صناعته وصياغته، لكنه بالتأكيد هو أول من طرق أبواب هذا الزمن.
العالم كله يتحضّر لخوض غمار زمن الانهيارات، بعض دوله تعاملت معه استباقياً من خلال تزخيم حضورها وانتشارها، بدءاً بروسيا الاتحادية التي كسرت الحصار الأميركي الذي فرض عليها بواسطة جمهوريات آسيا الوسطى وكاد أن يخنقها، إلى الصين التي على ما يبدو أنها استكملت احتياطاتها، لتتبوّأ مركز الصدارة من دون منازع، إلى إيران التي خرجت من امتحان النووي فائزة، إلى العديد من الدول الأوروبية التي تعدّ العدة كاملة للاستقلال مرغمة عن سلطة أميركا…
وعلى رغم الاستعدادات والاحتياطات المأخوذة من قبل دول عديدة، فإنّ بعضها قد لا يكون في منأى عن التداعيات، لكنها تقوم ما بوسعها لتفادي أية نتائج سلبية، وبالحصيلة يمكن للدول التي تعمل في هذا الاتجاه أن تتكيّف مع الواقع الدولي الجديد.
والسؤال المواكب، ماذا سيحلّ ببلادنا المبتلية بالاحتلال والإرهاب؟ وماذا سيحلّ بكلّ ساحات العالم العربي، الغائبة بسمعها وبصرها عن مشاهدة الانهيارات والتحوّلات الكبرى؟
ما هو مؤكد أنّ الهويات الطائفية والمذهبية والعرقية لا تشكل تحصيناً للساحات العربية، بل هي عامل تفتيت وتشظية، لا بل تشكّل مكباً لكلّ الركام الناتج عن الانهيارات العالمية.
لذلك، ليس هناك من خطوات فاعلة وناجعة لمواجهة زمن الانهيارات، إلا من خلال الهوية القومية الحضارية الأصيلة، القادرة على صهر كلّ المكونات والشرائح الاجتماعية، وإنتاج وحدة روحية حقيقية، وهذا هو جوهر فكر أنطون سعاده، الذي أطلق حركة صراعية تحمل مشروعاً قومياً يصون حق الأمة وتاريخها وحضارتها ويؤسّس لمستقبلها.
|