عندما يضع رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب شرطاً بأن تدفع السعودية تكاليف بقاء القوات الأميركية في سورية، فهو يقول للعالم أجمع، بأن لا ناقة لبلاده ولا جمل في الحرب على سورية، وأنّ هناك دولاً مسؤولة عن هذه الحرب، وعليها أن تدفع!
الواقع أنّ ترامب كشف نصف الحقيقة، غير أنّ الحقيقة الكاملة، هي أنّ الولايات المتحدة الأميركية قادت الحرب الإرهابية على سورية، وأرادت من وراء هذه الحرب، تحقيق جملة من الأهداف تبدأ بإسقاط الدولة السورية وتقسيم سورية وتفتيتها، وصولاً إلى تصفية المسألة الفلسطينية من خلال ما بات يُعرف بـ «صفقة القرن».
صمود سورية طيلة سبع سنوات في مواجهة الحرب الكونية، وثبات موقف حلفاء سورية، جعلا الولايات المتحدة تدرك استحالة تحقيق الأهداف التي وضعتها، فلا الدولة السورية سقطت، ولا مشروع التقسيم تحقق، ولا المجموعات الإرهابية صمدت أمام الجيش السوري..
أولى مؤشرات الفشل الأميركي، قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال الصهيوني، ونقل السفارة الأميركية إليها، وبهذا القرار يكون ترامب قد اعترف ضمناً بهزيمته في سورية، لأنّ إسقاط الدولة السورية كان الهدف الأول لأميركا و»إسرائيل» وحلفائهما الغربيين والإقليميين والعرب، قبل الوصول الى تنفيذ بنود «صفقة القرن».
قرار ترامب بشأن القدس، هو هروب من فشل الى فشل آخر، لكن رغم الانتقادات التي توجّه إلى ترامب، لكون تصرّفاته لا تليق برئيس دولة عظمى، إلا أنه في الآونة الأخيرة، وتحديداً خلال لقائه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تعمّد إهانة ضيفه من خلال التركيز على المشاريع التجارية والمالية، وتظهير السعودية كبقرة حلوب، بما يحمل هذا التظهير من احتقار للسعودية وقادتها. وهذا الاحتقار هو نتيجة فشله في سورية، إذ يعتبر بأنّ السعودية هي مَن أوصلت بلاده إلى هذا الفشل الذريع، لأنها مارست الخداع بإقناع سلفه باراك أوباما بأنّ لديها قوة إرهابية قادرة على إسقاط الدولة السورية خلال بضعة أشهر!
كثيرون يعتقدون بأنّ ترامب يتصرّف بجنون، وهذا اعتقاد صحيح، ليس لأنّ الرجل بطبعه مجنون، كما يحاول البعض إيهام الرأي العام، بل لأنّ بعض حلفاء بلاده، لا سيما السعوديين والقطريين، انساقوا وراء أحقادهم على سورية وعقد نقصهم تجاه السوريين، وجعلوا أميركا تدفع ثمناً باهظاً بانزياحها من موقعها كقوة عظمى وحيدة في العالم. إذ ليس خافياً على أحد بأنّ الحرب الكونية على سورية، أعادت روسيا الاتحادية لاعباً أساسياً على الساحة الدولية، يضع «الفيتوات» مرات عدة في مجلس الأمن الدولي بوجه أميركا وحلفائها. وقد بات مؤكداً أن العالم يتجه إلى التعدّدية القطبية بعدما انفرط عقد القطبية الواحدة، لذا، فإنّ جنون ترامب هو جنون مشروع، في ظلّ فشل مشروع إسقاط سورية وتراجع الدور الأميركي، لصالح روسيا والصين وقوى إقليمية صاعدة.
وعليه، حين يضع ترامب شروطاً على السعودية ويبتزها بالمال، فإنه يحمّلها تبعات التوريط والهزيمة والفشل. وهذا هو السبب الذي يدفع بولي العهد السعودي محمد بن سلمان لأن يجسد بسلوكه صورة بلفور ووعده المشؤوم، بحسب توصيف الصحافة «الإسرائيلية» له، وأن يسابق ترامب في الوقوف علناً إلى جانب «إسرائيل»، وإعطائها «الحق» باغتصاب أرض فلسطين.
|