في وقت كانت الباصات تمتلئ بنحو ثلاثمئة مسلح مما يسمّى «سرايا أهل الشام» وعدد مماثل من أفراد عائلاتهم، إتماماً لعملية تنظيف جرود عرسال من الإرهاب، كان الجيش اللبناني يستعدّ لتنفيذ انتشار في تلك الجرود، ليستكمل طوقاً يفرضه على تنظيم «داعش» في جرود رأس بعلبك والقاع، تمهيداً للبدء بعملية عسكرية واسعة تنهي احتلال التنظيم الإرهابي للجرود اللبنانية.
وفي حين صار معلوماً أنّ موجبات حسم الجيش اللبناني لمعركة الجرود ترتكز في جانب أساسي على التنسيق التامّ مع الجيش السوري وقوى المقاومة التي تؤازرهما، لا يزال البعض في لبنان يعيش تحت تأثير إملاءات دول رعت الإرهاب وموّلته باسم «الربيع العربي»!
بعض هذه القوى بات متفلتاً من ضوابط الخطاب السياسي، لذلك لا عجب حين يطلق هؤلاء مواقف بدواعي أحقاد دفينة وارتباطات خارجية تتعارض مع مصلحة لبنان وتتناقض مع ما تتطلّبه المعركة التي يتحضّر الجيش اللبناني لخوضها ضدّ تنظيم «داعش» في الجرود اللبنانية.
وأغرب المواقف وأخبثها تلك التي تنفي وجود حكومة سورية، وتنفي حقيقة أنّ للبنان مصلحة في التنسيق والتعاون مع سورية، وكما هو واضح من هذه المواقف أنّ أصحابها لا يتوخّون مصلحة لبنان واللبنانيين، بل مصالحهم الجهوية المشدودة إلى مشاريع التقسيم والفدرلة الموؤودة التي دفع لبنان منها أثماناً كبيرة.
ولانّ مصلحة لبنان في وحدته وفي استقراره، وفي الحفاظ على مؤسساته الفاعلة، فإنّ سورية لها الفضل في إسقاط مشروع تقسيم لبنان وفي تثبيت استقراره وسلمه الأهلي وفي المساعدة على إعادة بناء مؤسسات دولته. وهذه حقائق تشكل أدلة دامغة بأنّ مصلحة لبنان الوطنية هي بأمتن علاقات التعاون والتنسيق مع سورية، وليست مع دول تنظر إلى لبنان على أنه محميات طائفية ومذهبية. ولا مع دول غربية تحاول بالمساعدات المشروطة تجزئة عناصر القوة التي يمتلكها لبنان، المتمثلة بثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي أسقطت مخطط «الشرق الأوسط الجديد»، وألحقت الهزيمة بالعدو الصهيوني.
وما هو محلّ استغراب أنّ بعض الدول الخليجية تتعامل مع لبنان وفق نظرة المحميّات، وهي توزّع المكرمات السرية والعلنية على هذا الأساس، وتحجبها عن الجيش اللبناني بذرائع واهية.
للبنان مصلحة في أن تكون له علاقات مع الدول العربية كلّها، لكن حتى تستقيم هذه العلاقات وتؤدّي وظائفها الإيجابية لا بد أن تمرّ عبر البوابة الدمشقية. وهذا أمر بديهي، لأنّ سورية المنتصرة على الإرهاب ورعاته هي بوابة لبنان إلى العالم العربي، وعبرها يمرّ خط الترانزيت الذي فيه مصلحة اقتصادية للبنان، وجيشها سيخوض معركة الجرود من الجانب السوري ليشكل مع الجيش اللبناني وحلفائهما فكّيْ كماشة على الإرهاب.
المرحلة المقبلة كفيلة بتوضيح الصورة، ومعها تتبيّن أين تكمن مصلحة لبنان واللبنانيين. وتتبيّن المواقف السوداء من المواقف الناصعة البياض…
|