لم يكن مستغرباً خروج أصوات النشاز لتهاجم المؤسسة العسكرية بعد الإعلان عن وفاة أربعة من المطلوبين الذين تمّ توقيفهم خلال عملية عرسال، ونقلهم الى المستشفى نتيجة أوضاعهم الصحية المتردّية قبل توقيفهم، فذلك يندرج ضمن الحملة المبرمجة للتشويش على هذا الإنجاز الأمني بامتياز، فالأبواق التي هاجمت الجيش بعد العملية الاستباقية في عرسال رغم بُعدها الأمني، والتي جنّبت لبنان مشهداً دموياً خطيراً استحق إشادة أكثر من جهة دولية بها، لم تشكل لدى هؤلاء الموتورين أيّ عامل إيجابي، بل اعتبروها مجرد قمع وظلم للنازحين واعتداء عليهم.
من هنا فإنّ الحملة على الجيش اللبناني تحت ستار «نصرة النازحين» أو غيرها من الشعارات، لن تتوقف عند عملية عرسال أو ما سيليها من عمليات أمنية بمواجهة قوى الإرهاب والتطرف، فمَن يعمل على تصوير إنجازات الجيش الأمنية تفلّتاً في هذا التوقيت، فهو مشبوه، بكلّ ما للكلمة من معنى، ولا يعدو كونه موظفاً في أقبية السفارات وغرف العمليات السوداء التي تدعم الإرهاب بشكل أو بآخر لا سيما إعلامياً، وما الهجوم على الجيش إلا تعبير عن مدى الخيبة التي أصيبت بها القوى الداعمة والمموّلة للإرهاب، وهو ما دفعها للزجّ بأبواقها من أجل التهجّم على الجيش.
ولعلّ ما يكشف خلفيات الحملة المنظمة الخبيثة التي استهدفت المؤسسة العسكرية أسماء بعض المنخرطين فيها من أصحاب الباع الطويل في دعم الإرهاب في سورية ولبنان تحت مسمّى «الثورة»، كما أنّ البعض الآخر لديه سجل حافل بالتنظير للتطبيع مع العدو الصهيوني ويقدّم نفسه طواعية في مشروع العداء للمقاومة، وما يجب التوقف عنده تعبير بعض الأبواق التي هاجمت الجيش عن امتعاضها، لأنّ التفجيرات الانتحارية التي نفّذها عدد من الإرهابيين خلال ملاحقتهم لم تؤدّ إلى سقوط شهداء من الجيش، وهذا ما يفضح أجندة منتقدي الجيش الذين يصوّبون أسهمهم نحوه، ويكشف مدى العداء الذي يحملونه لكلّ مَن يستهدف قوى الإرهاب.
وفي وقت تتمّ المطالبة بملاحقة مطلقي النار ابتهاجاً وحاملي السلاح بشكل عشوائي الذين يعرّضون حياة المدنيين للخطر، لا بدّ أيضاً من المطالبة بملاحقة كلّ مَن يسعى الى النيل من هيبة الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، التي تقوم بدور كبير في مكافحة الإرهاب وإحباط المشاريع المرسومة للبنان وإغراقه في مستنقع الفوضى الأمنية، لأنّ هؤلاء المحرّضين لا يقلون خطراً عن الإرهابيين أنفسهم. ومن هنا تظهر أهمية العمل على ملاحقتهم وإنزال العقوبة اللازمة بهم، بتهمة التحريض على الجيش والمؤسسات الأمنية والسعي إلى الدفاع عن الإرهاب بطرائق غير مباشرة.
أخيراً وكي لا يبقى النازحون «شمّاعة» لدى البعض، يجب على الحكومة أن تتخذ قرارها بفتح حوار مباشر جدي مع الحكومة السورية، من أجل معالجة هذا الملف الحساس وتنظيم عودة بعض النازحين إلى المناطق الآمنة في الداخل السوري، ولعلّ ما يثير الاستغراب أنه في وقت عمدت فيه الدولة اللبنانية إلى مفاوضة الجماعات الإرهابية بشكل أو بآخر، للإفراج عن العسكريين وقبلهم راهبات معلولا، فإنّ الحكومة تصرّ على رفض الحوار مع الحكومة الشرعية في دمشق، التي باتت مقصداً لأكثر من جهة عربية وغربية بهدف بحث سبل مكافحة الإرهاب، لذا يجب على الحكومة بشخص رئيسها وبعض الأطراف الممثلين فيها أن تدرك بأنّ إدارة سياسة الدولة تتطلّب التحلّي بالحدّ الأدنى من الحسّ بالمسؤولية الوطنية، بعيداً عن منطق الكيدية، إذ بين مهاجمة الجيش ورفض الحوار مع دمشق يبقى الوضع الأمني في لبنان عند أعلى مؤشرات الخطر، وعليه لا بدّ من وقفة جادة ومسؤولة لدرء الخطر قبل فوات الآوان.
|