قبل أيام نفذت وحدات من الجيش اللبناني عملية أمنية ـ عسكرية في منطقة عرسال، باغتت بها عناصر المجموعات الإرهابية، فألقت القبض على العشرات منهم، في حين فجّر خمسة إرهابيين أنفسهم، ما أدّى إلى إصابة عدد من عناصر الجيش بجروح من دون وقوع شهداء.
هذه العملية البالغة الدقة، لا تَدَع مجالاً للشك في أنّ لدى الجيش وسائر المؤسسات العسكرية والأمنية، القدرة على القيام بعمليات نوعية تحمي لبنان من مخاطر الإرهاب. لكن السؤال الكبير الذي يتطلّب جواباً، هو عن القرار السياسي، ولماذا كلّ هذا الانكفاء الحكومي عن اتخاذه، في وقت يحتاجه الجيش مظلة ليضرب الإرهاب بيد من حديد. وقد ثبت أنّ المؤسسات العسكرية والأمنية تستطيع الضرب بعمليات استباقية نوعية تنفذها بحرفية عالية؟
المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية دفعت أثماناً باهظة. وهي خسرت عدداً من ضباطها وعناصرها نتيجة استهداف المجموعات الإرهابية لهم، كما لا يزال هناك عدد من العسكريين مختطَفين ومجهولي المصير. ووراء كلّ هذه الخسائر الكبيرة والفادحة والموجعة، أداء سياسي رسمي قاصر وخاطئ مارسته الحكومات التي تعاقبت على لبنان منذ العام 2011، وهذا الأداء أطلقوا عليه تسمية «النأي بالنفس» ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا!
الإرهابيون الانتحاريون الذين فجّروا أنفسهم في مواجهة وحدات الجيش في عرسال، والآخرون الذين تمّ إلقاء القبض عليهم، وأولئك الذين لا يزالون قيد التخفي، هم الذين تحدّث عنهم وزير الدفاع الوطني اللبناني السابق فايز غصن عام 2011. وهؤلاء حصلوا حينذاك على كلّ العطف والتضامن والمؤازرة من فريق 14 آذار، الذي شكّل «خلية نصرة عرسال للزيارة والمواساة»، ذهاباً واياباً، ما شكّل غطاءً لتمدّد العناصر الإرهابية في تلك المنطقة، ليهاجموا في ما بعد الجيش والقوى الأمنية ما أدّى إلى استشهاد وخطف عشرات العسكريين!
نحن هنا لسنا بوارد فتح الدفاتر للتذكير بأدوار قوى لبنانية وقفت في العلن مع المجموعات المتطرفة الإرهابية، ولا للحديث عن الحواضن والمعابر وبواخر الأسلحة. ما يعنينا اليوم، أنه وبعد عملية الجيش النوعية، لم يعد مقبولاً التعاطي اللبناني الحكومي مع قضايا الإرهاب والنزوح على الطريقة ذاتها التي تعاملت بها قوى 14 آذار مع تحذيرات الوزير فايز غصن قبل 7 سنوات، لأنّ مَن يدفع الثمن غالياً جراء الإرهاب هم اللبنانيون، العسكريون منهم والمدنيون، لذلك لا بدّ من قرارات وخطوات رسمية مسؤولة، تتخطى حسابات الأفراد وأحقادهم وعقد نقصهم، وتصبّ في خانة المصلحة الوطنية الصرفة. وللوصول إلى نتيجة فيها مصلحة وطنية، وتحصّن استقرار لبنان وأمنه، لا بدّ من أن تبادر الحكومة اللبنانية سريعاً إلى الاتصال بالحكومة السورية للتنسيق حيال الأخطار الإرهابية ولمعالجة موضوع النازحين، بما يكفل عودتهم إلى بيوتهم وقراهم. وطالما أنّ لبنان يرى في النازحين عبئاً أمنياً عليه، فهذا يحتّم الاتصال بالدولة السورية لإيجاد الحلول.
المطلوب من الحكومة اللبنانية أن تتعامل بجدية ومسؤولية مع الملفات الكبيرة، لا أن تحذو حذو بعض جهابذة 14 آذار الذين لا يعترفون بوجود حكومة سورية، في حين أنّ دولاً كبيرة تأتي صاغرة أمام صمود الدولة السورية، رئيساً وحكومة وشعباً وجيشاً.
للبنان مصلحة بفتح قنوات الاتصال والتنسيق مع سورية، لأنّ رهان بعض اللبنانيين على أن يشكل النازحون ورقة ضغط على الدولة السورية سقط، كما لم تعُد هناك وفرة «بطانيات» لدى الأمم المتحدة ولا «مساعدات».
|