بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لكيان الاحتلال اليهودي، صدرت مواقف أوروبية تنتقده، وتدعو إلى الرجوع عنه. لكن من غير المتوقع، أن تلجأ الدول الأوروبية إلى القيام بخطوات تتعارض في الجوهر مع قرار ترامب، لأنها تحرص على تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة، وفي مرات عديدة، تقبّلت تصريحات أطلقها مسؤولون أميركيون تصف أوروبا بالقارة العجوز.
المواقف الأوروبية الرافضة قرار ترامب بشأن القدس، لا يمكن الركون اليها، فالدور الذي لعبته دول أوروبية أساسية في الحرب الكونية على سورية، لا يختلف إطلاقاً عن دور الولايات المتحدة، لجهة رعاية الإرهاب وتقديم كل اشكال الدعم والمؤازرة له. وهذه الدول لم تتوقف عن دعم الإرهاب الذي ارتكب أفظع جرائم القتل والتدمير في سورية والعراق، واتضح الوجه الآخر للإرهاب الصهيوني الذي استباح فلسطين وعاث قتلاً وإجراماً بحق الفلسطينيين على مدى عقود من الزمن.
وعلى الرغم من ممارسات الاحتلال «الإسرائيلي» العنصرية ضد الفلسطينيين وما قام به هذا الاحتلال من استيطان وتهويد للأرض الفلسطينية، فإن الدول الأوروبية النافذة لم تقُم بأي خطوة جدية لوقف جرائم الاحتلال العنصرية، كما أنها لم تقم بمراجعة سياساتها تجاه المنطقة، ولم تتبرأ من مسؤوليتها عن «وعد بلفور» المشؤوم، و «سايكس بيكو». وبالتالي لا نتوقع من هذه الدول القيام بأي خطوة عملية للوقوف بوجه قرار يُطلق يد «إسرائيل» لتهويد القدس وكل فلسطين وتهجير وتشريد مَن تبقى منأهلها الأصليين.
ما هو مؤكد أنه عندما تبدأ واشنطن إجراءات نقل سفارتها الى القدس، ستلحق بها عواصم أوروبية عديدة بلا إبطاء أو تردد وعليه. وليس مستبعَداً أن يكون الموقف الأوروبي من قرار ترامب بمثابة سيناريو غربي متّفق عليه، الغرض منه تحضير الدول الأوروبية لدور يسرّع تنفيذ مخطط تصفية المسألة الفلسطينية، بموافقة أميركية وبالتشارك مع أنظمة عربية متآمرة على فلسطين وغارقة في التطبيع مع «إسرائيل».
وتتضح الصورة أكثر فأكثر مع الفيتو الاميركي الذي أسقط مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي تقدّمت به مصر وينص على عدم جواز القيام بخطوات أحادية بشأن القدس. وهذا الفيتو الذي استبقته المندوبة الأميركية نيكي هايلي باتهام رافضي قرار ترامب بممارسة ازدواجية المعايير، هو كلمة السر التي تعيد حلفاء أميركا الأوروبيين الى الانتظام تحت سقف المصلحة «الإسرائيلية»، وفقا للسيناريو المتفق عليه. ولذلك سنرى حلفاء اميركا جبهة واحدة متراصة لإسقاط أي قرار مضاد لقرار ترامب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، فقد سبق لهذه الدول أن أسقطت القرار 3379 الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية.
وعليه فإن الخيار الوحيد المتاح أمام شعبنا هو تصعيد مقاومته وانتفاضته دفاعاً عن القدس وكل فلسطين، فلولا إرادة المقاومة والصمود لما تمكنت سورية من إفشال مخطط تدميرها وتفتيتها والحفاظ على وحدتها وإلحاق الهزيمة بنحو مئة دولة غربية وإقليمية وعربية، ومئات التنظيمات الإرهابية المتعدّدة الجنسيات.
|