على الرغم من عتوّ الولايات المتحدة الأميركية وسياسة ازدواجية المعايير التي تتبعها، فإنها تلجأ في بعض الأحيان إلى مواقف واقعية. ففي غضون شهر ونيّف عقب وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تقلّبت مواقفها إزاء سورية، بين تسليم بواقعية أنّ السوريين هم من يقرّرون مستقبل بلدهم واختيار رئيسهم، وبين مغامرة خيار التصعيد لتحقيق أهداف الحرب بإسقاط الدولة السورية، الهجوم الصاروخي على مطار الشعيرات السوري نموذجاً ، مع التذكير والتشديد على أنّ الولايات المتحدة تشكّل رأس حربة الهجوم الكوني الإرهابي على سورية منذ ستّ سنوات ونيّف.
أميركا التي تتصدّر المشهد الدولي بجبروتها وتدخّلها في شؤون الدول، تشهد مواقفها حيال سورية، صعوداً وهبوطاً، ليس لأنها بصدد تعديل سياساتها العدائية تجاه دمشق، بل لما تقتضيه موازين القوى على أكثر من صعيد، والموازين هنا لا تقتصر على ما يحققه الجيش السوري من إنجازات في مواجهة الإرهاب، بل هناك أطراف دولية وإقليمية، روسيا وإيران ودول أخرى، تقف في الضفة السورية، سواء لجهة دعم الدولة ومؤازرة جيشها في الحرب ضدّ الإرهاب أو لجهة المساعي والجهود المبذولة لإيجاد حلول سياسية للأزمة السورية.
الواقعية التي تُقرّ بها أميركا العظمى المتوحشة، لا يتلمّسها الأتباع، فوزير البلاط السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير يُصرّ على البقاء في وضعية الانفصال عن الواقع، وتصريحاته آخرها أمس الأول بعد لقائه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، تشي بأكثر من الانفصال عن الواقع، إنها تتجاوز نوازع وسياسات الفصل العنصري التي يتبعها العدو الصهيوني، وتصل إلى حدود الحضّ على الكراهية المطلقة، ضدّ إيران وحزب الله، أقرب حلفاء دمشق في محاربة الإرهاب والتطرف.
تصريحات الجبير، تدلّ على أنّ السعودية لا تزال في المربع ذاته الذي وضعت نفسها فيه، وشكل قاعدة انطلاق خطاب الكراهية الذي يتجسّد حرباً إرهابية ضدّ سورية، وضدّ دول المنطقة والعالم كافة.
قد تضطر السعودية لالتماس الواقعية والاعتراف بفشلها في تحقيق أهدافها من خلال الحرب على اليمن، لكنها بالتأكيد لن تفعل ذلك حيال سورية، لأنّ هناك عقد نقص لا تقتصر على أنها «دولة» من صنف أشباه الدول، بل لأنّ قادتها أنصاف رجال.
«إسرائيل» كما السعودية، في خندق واحد إلى جانب المجموعات الإرهابية، لن يتراجعا عن خوض الحرب ضدّ سورية حتى نهايتها.. حرب ستنتهي حكماً في الداخل السوري، وتستمرّ قائمة مع العدو «الإسرائيلي»، ومع حلفائه الإقليميين والعرب.
|