الناتو الخليجي ـ العربي برعاية أميركية يتحضّر لضمّ «إسرائيل» إليه تحت شعار الحرب على إيران، فهل لدى هذا الناتو المقدرة على تنفيذ شعاراته؟ وما هي أهدافه الفعلية؟
تأسس هذا الناتو بمواكبة خسارة الأميركيين لمشاريعهم بتفتيت المنطقة، بموازاة انتصار كبير للمحور الروسي ـ الإيراني. وهذه ملاحظة جديرة بالانتباه لأن بناء آليات جديدة للمهزومين يرتبط عادة بمجابهة النتائج.
هذا على المستوى الدولي ـ الإقليمي، أما عربياً فهناك انتصار كبير للدولة السورية ومعها حزب الله في لبنان الذي يشكل فيه ثقلا نوعياً.. والعراق الذي قضى على البنية الأساسية للإرهاب. لكن السياسة الأميركية تعمل على إعادة توتير أوضاعه الداخلية.
وهنا لا يمكن نسيان اليمن الذي يجابه التحالف السعودي ـ الإماراتي منذ ثلاث سنوات، ويمنع الرياض من تحقيق مشاريعها متسبباً بتفاقم هزائمها.
يتبين أن السعوديين بما هم قوى مركزية إلى جانب الأميركيين في تدمير العالم العربي، يتحملون نتائج الهزائم التي تتجه للانعكاس على استقرارهم الداخلي، وهي هزائم لا يستطيع أحد أن يُنكرها على مستوى الإقليم أدت إلى تراجع كبير في الدور الأميركي المركزي إقليمياً انطلاقاً من نتائج الميدان السوري، كما أن الرياض فقدت معظم مرجعيتها العربية والإقليمية والإسلامية فلم تعد الآمرة والناهية كما كانت تفعل دائماً. ولولا استمرار سيطرتها على الحرمين الشريفين لكانت تراجعاتها ذات طابع دراماتيكي.
تظهر هذه العجالة مدى ارتباط تأسيس ناتو عربي بإدارة أميركية، يضم «إسرائيل»، بأدوار لمصلحة واشنطن والرياض في المدى الذي يستطيع هذا الناتو بلوغه وهو مدى عربي ـ إسلامي ـ أفريقي، باعتبار لو أن أحداً يصدّق أن لآل سعود إمكانية السيطرة على القرار في أوروبا وروسيا والصين واليابان.
إذا كانت هذه هي أهداف الناتو، فلماذا اعتبار إيران عدواً أساسياً لهذا الناتو؟ ما يدلّ على أن هذا الناتو هو الوريث الشرعي للعداء الأميركي الخليجي المستمرّ لإيران، ولأنه يحتاج إلى التأسيس لعدو مشترك فقد جرى اختيار نظام الجمهورية الاسلامية، بما هو نظام اخترق النفوذ الأميركي في العالم الإسلامي والعربي، دافعاً السعوديين إلى خارج سورية والعراق، متهماً انه الداعم الأساسي لأنصار الله الحوثيين في اليمن. وقد يتبادر سؤال آخر وهو لماذا لم يتناول هذا الناتو روسيا وهي المتسبّبة الأساسية بطرد النفوذ الأميركي والسعودي من سورية.
يبدو أن هناك مشروعاً لتحييد روسيا صاحبة الإمكانات العسكرية الكبيرة ربطاً بالتنسيق الروسي ـ السعودي في ميادين أسعار الطاقة ومستويات الإنتاج، كما أن واشنطن لا تريد استقرار روسيا في هذه المرحلة، وتسعى كذلك إلى استيلاد خلافات بين موسكو وطهران كما تعتقد.
لكن وزير الخارجية الروسي لافروف كان حازماً في الأمم المتحدة عندما قال إن بلاده لن تسمح بإسقاط الاتفاق النووي مع إيران ولن تعترف بالحصار السعودي الأميركي الخليجي عليها. فهل تتمكّن السعودية من جذب العرب إلى الناتو؟
بوسعها جذب الدول المحتاجة إلى مساعداتها المالية والاقتصادية، كمصر والأردن والسودان، ولكن هؤلاء لا يشكلون قيمة عسكرية او سياسية مضافة، لأنهم في الركب الأميركي قبل تأسيس الناتو.. ويوالون السعودية بشكل دائم، ما يكشف محدودية الناتو العربي في إعادة جذب العالم العربي المنجذب أصلاً إلى واشنطن والرياض.
وهناك مَن يرى أن نجاح سورية والعراق في تأمين سيادتهما يشكل ضربة قاتلة لناتو غير متماسك لقدرتهما على جذب الجزائر وتشجيع الدول العربية المتردّدة على إعلان معارضتها لهذا الناتو.
وهذا يدل على أن التراجع الأميركي عربياً واقع لا محالة بشكل محورين سعودي إماراتي مقابل محور عراقي سوري، ولكل منهما تغطياته الإقليمية والدولية وإمكانياته، يكفي هنا أن بإمكان سورية والعراق جذب الفلسطينيين بكامل تياراتهم ودعمهم لعرقلة صفقة القرن التي يراهن عليها الأميركي والسعودي لتعزيز هيمنتهم على المنطقة العربية بالتحالف مع «إسرائيل» التي يصبح بوسعها الانتساب إلى هذا الناتو.
هذا يبرهن أن ليس لدى هذا الناتو قيمة مضافة يستطيع بموجبها وقف التراجع الأميركي أما لجهة دور الناتو في السيطرة على مواقع إنتاج الغاز في الشرق الأوسط. فهذا مستحيل، لأن الدولة الثانية في إنتاجه عالمياً هي إيران. ويتردّد أن لديها إمكانات غير مكتشفة منه يؤهلها لتصبح أولى. وهناك أيضاً الساحل السوري الغني جداً بالغاز، كما أن روسيا هي المنتج العالمي الأول ولديها في أراضيها أربعون في المئة من ثروات العالم المتنوّعة من كافة الموارد.
بالإضافة إلى انتقال مصر من مرحلة استيراد الغاز إلى مرحلة إنتاجه التي أعلنت القاهرة عنها منذ يومين، قد يحرّر السياسة المصرية تدريجياً من مستوى التبعية للسعودية إلى مستوى التبعية المباشرة للأميركيين من دون وسيط عربي أو قد تتجه ربما لبناء نفوذ خاص بها في المشرق وأفريقيا، خصوصاً إن تبين أن سدّ النهضة الإثيوبي يتسبب بحرمان مصر من أكثر من ثلاثة ملايين متر مكعب من المياه حارماً نحو مليوني فلاح مصري من العيش في الحدود الدنيا والحبشة محمية من الأميركيين والسعوديين.
وإن كان هذا الناتو قابلاً للتعسّر في بيئته العربية مما لدى إيران من تحالفات فيها، وإمكانات الروس الزاحفة في معظم الاتجاهات، فما لديه للتأثير في العالم الإسلامي، فاتفاقية بحر قزوين حول تقاسم ثرواته بين دوله الخمس المتشاطئة، التهمت إمكانية التأثير الأميركي ـ السعودي على اذربيجان وطاجكستان وأوزباكستان. أما لجهة باكستان فهي حريصة على عدم التورط في نزاعات تضعها وجهاً لوجه مع إيران كذلك حال أندونسيا المعتادة على عدم التدخل في الشؤون الخارجية. لذلك فإن التأثير السعودي في هذه الدول لن يرتفع عن المعدلات السابقة، وهي الاكتفاء بتصريحات وصور تؤيد ملك السعودية خادم الحرمين الشريفين، إنما من دون فائدة ملموسة. فاذا كانت منظمة حقوق الإنسان لم تتراجع عن اتهام السعودية والإمارات بالتسبب بمجازر في اليمن فكيف يمكن لدول أن تجذب لضغوط أميركية سعودية لا تنفك تنحدر بسرعة؟
إن الآمال المرتقبة من هذا الناتو على مستوى التحشيد العربي والإسلامي ضد إيران لن تزيد معدله عما كان عليه، لكن هذه المحاولة جدية بدليل أن الإمارات التي تتعامل بشكل واسع مع إيران اقتصادياً يشنّ وزير خارجيتها أعنف هجوم على طهران ويحملها مسؤولية دعم الإرهاب في العالم والسيطرة على العالم العربي. وهذا يدل على حجم التراجع الأميركي السعودي وما يعول عليه هذا المحور في وقف عجلة الانهيار، على قاعدة أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، والا كيف يقنع هذا الوزير نفسه أن طهران تغطي الإرهاب وهو يعرف الاتهامات الأميركية والأوروبية للحلف الذي يجمعه مع السعودية بدعم الإرهاب وتمويله، ويعرف أيضاً ان لدى أميركا مئات القواعد في عالم عربي بعيد عنه بآلاف الأميال بينما ليس لدى طهران أي قاعدة. فلا انصار الله من إيران وكذلك الحشد الشعبي وحزب الله. فهؤلاء عرب متحالفون مع إيران في وجه النفوذ الأميركي وممالك القهر والقرون الوسطى.
على المستوى الأفريقي، هناك من يصدّق ان السعودية والإمارات بوسعهما السيطرة بإمكاناتهما على القرن الافريقي بدوله الأربع ارتيريا واثيوبيا والصومال وجيبوتي؟ الا يكتشف المراقب بسرعة أن الاموال السعودية ـ الإماراتية التي جرى دفعها لهذه الدول لجعلها تحت العباءة السعودية، انما الغرض منها تأمين الهيمنة الأميركية على منطقة استراتيجية يمرّ منها عشرون في المئة من التجارة العالمية، وذلك بعد اليأس الذي انتاب مهاجمو الساحل الغربي في اليمن عند الحديدة من إمكانية السيطرة على البحر الأحمر من ناحية باب المندب، فذهبوا إلى القرن الأفريقي الذي يشكل للحلف الأميركي ـ السعودي الإسرائيلي بديلاً.
فهل ينجح هذا الناتو في حماية الاحادية الأميركية العالمية؟ هذا هو الهدف منه، لكن تحقيقه شديد الصعوبة في ظل موازين القوى السائدة.
وكلما أدرك التنسيق السوري العراقي شيئاً من مراميه فإن الأميركيين والسعوديين والإسرائيليين قد يخبئون عندها من آليات بديلة لحماية مواقهم المتدحرجة إلى أسفل، بما يؤكد أن عصر الأحادية يتجه للانهيار مقابل نظام قطبي جديد يستند إلى تعدّد مرجعياته.
|