الحشد الشعبي العراقي في وضعٍ حرج أمنياً وسياسياً بما يكشف عن وجود خطة لقوى متمكّنة لها المقدرة على استهدافه، والمصلحة في عرقلة ادواره.
توقيت هذا الاستهداف مريب ويفضح المخططين له، فما كاد الحشد يشارف على استكمال دوره الداخلي بكسر الإرهاب الدولي الذي استباح العراق بحضور الجيش الأميركي المحتل لأرض الرافدين، وإشراف الجيش التركي المتعاون مع الإرهاب والمحتل لقسم من اراضي العراق، حتى بدأت معزوفة العلاقة الملتبسة بين الجيش العراقي والحشد تنطلق من جديد. بزعم أنه قانونياً جزءٌ من القوات المسلحة العراقية لكنه يمارس أمناً وسياسة خاصتين به ومتحالفتين مع إيران كما يقول الأميركيون وبعض حلفائهم العراقيين والخليجيين وكامل العراقيين الموجودين في تركيا برعاية مخابراتها.
هذه المعزوفة لم تتمكّن من لجم اندفاعة الحشد نحو استكمال أدواره الوطنية في تكامل مع القوات المسلحة العراقية التي يشكل جزءاً منها على مستوى القانون العراقي.
فذهب المخططون نحو تقسيم تنظيمات الحشد الشعبي، بين معتدلة لها الحق بالمشاركة في الادارة الرسمية للدولة وبين تشكيلات متصلة على حد زعمهم بالحرس الثوري الإيراني، وبما أن هذا الأخير موضوع على لوائح الإرهاب في الولايات المتحدة الأميركية فإن تحالفاته العراقية، لها الوضعيّة الإرهابية نفسها.
كان مفترضاً أن تتسبب هذه الادعاءات بتفجير الوضع الداخلي، لكنها لم تفعل باستثناء بعض الصدى الإعلامي المتلاشي.
ما أتاح للحشد الاستمرار بالتنسيق مع الجيش العراقي على قاعدتين، إرهاب الداخل وهو في طور الاضمحلال النهائي وإرهاب الخارج المتجسّد بالاحتلال التركي لجزء من الشمال ودعمه لتشكيلات إرهابية وطائفية، ويتمثل أيضاً بالاحتلال الأميركي الذي يستند الى معاهدات للاستمرار في العراق فرضها تباعاً وبالقوة على السلطات العراقية المتعاقبة.
لجهة الخطر الثالث بمصدره حدود العراق مع شرقي سورية حتى تنتشر بؤر لداعش ومنظمة قسد الكردية وقوات أميركية محتلة، فهذه المواقع خطيرة الى درجة أنها تتطلب تنسيقاً سورياً عراقياً للسيطرة عليها. وهذا ما كان الحشد بصدد إنجازه قبل تعرضه لقصف تبين لاحقاً انه أميركي وهدفه إيقاف الحشد عند نقاط عراقية بعيدة عن الحدود.
كما حدّد الحشد الخطر الرابع بأنه وارد من محاولات أميركية للسيطرة على أمن الملاحة في الخليج بمعونة إسرائيلية، ولكل من يريد المشاركة من أصقاع الأرض.
لذلك اعتبر العراق الرسمي ومنه الحشد الشعبي أنه مؤيد لوجهة النظر الإيرانية المدافعة الفعلية عن أمن الخليج.
وكان طبيعياً أن يؤيد الحشد الشعبي إيران المحاصرة والمعاقبة لدفاعها عن دولتها وحرية الملاحة في الخليج، ولأنها الوحيدة التي دعمت العراق وسورية ولبنان واليمن في وجه الإرهاب المدعوم أميركياً وتركياً وخليجياً وغربياً.
وللمزيد من عرقلة الحشد الشعبي، قصف مجهولون مراكز للجيش الأميركي الذي سارع إلى اتهام جبهات متطرفة في الحشد الشعبي بتنفيذها.
إن هذا القصف شكّل مفترقاً شعر بعده الأميركيون ان دورهم الاحتلالي للعراق لن يكون مفيداً على مستوى محاربة إيران مع وجود تنظيمات عراقية متحالفة معها، وحكومة تتقاطع مع الكثير من سياساتها ورئاسة جمهورية برهم صالح الكردي لم تتورّع اكثر من مرة عن إبداء تأييدها لإيران في الكثير من المواضيع.
لذلك بدأ القصف الجوي المجهول باستهداف مخازن الحشد الشعبي في أكثر من منطقة عراقية، وآخرها قبل فترة قصيرة أصاب مخازن الصقر الكبير، ما استدعى من الحكومة العراقية الطلب من التحالف الدولي وقف التحرك الجوي لطائراته الحربية ومسيراته، معمماً هذا الأمر على كل الجهات الرسمية التي تمتلك طائرات.
الملاحظ هنا، أن القوى السياسية العراقية الموالية للأميركيين والأتراك، ذهبت باتجاه اتهام الكيان الاسرائيلي الذي استقبل هذه الاتهامات بصمت، لكنه زعم أن إيران ارسلت صواريخ دقيقة الى العراق، ما يبيح له الحق بقصفها في أي وقت، لأنها أسلحة تابعة للحرس الثوري المصنف إرهابياً في أميركا و»إسرائيل» وبالتالي في بعض بلدان الخليج.
فهل هذا القصف إسرائيلي؟
تزعم «إسرائيل» أنها دمرت الصواريخ الدقيقة الإيرانية التي كانت منتشرة في الأراضي السورية، لذلك وضعت إيران بديلاً منها في العراق، فهل هذا كافٍ لاتهام «إسرائيل»؟
هنا تبدو الخدعة كاملة، لأن لا فارق على الإطلاق بين قصف أميركي او اسرائيلي، لانهما متحالفان ويكملان مصالح بعضهما بعضاً، خصوصاً أن القصف الأميركي العلني على الحشد الشعبي يوفر لهذا الأخير الحق بالاستهداف العلني للقوات الأميركية المنتشرة في أكثر من عشر قواعد في العراق، هذا إضافة الى أن إرباك الحشد الشعبي داخل العراق يحول دون تنسيقه الأمني المرتقب مع سورية وتعاونه مع إيران في الحرب المتوقعة في الخليج، بما يؤكد أن الأميركيين هم وراء هذا القصف اما مباشرة عن طريق قواتهم ومواربة بواسطة الإسرائيليين، لأن الأهداف تصب في خدمات السياسات الأميركية في العراق والخليج وتستفيد منها «إسرائيل» إنما بشكل أقل من المصلحة الأميركية.
بأي حال، يستطيع الأميركيون قصف مخازن الحشد بمسيَّرات طائرة تنطلق من مراكز سيطرتهم في شرقي الفرات السوري وذلك للمزيد من التضليل، كما ان القواعد الأميركية الموزعة بين الأردن والخليج بوسعها تأدية المهام نفسها، لذلك فإن الحشد الشعبي متأكد من أن الدور الأميركي بالقصف مختبئ خلف «إسرائيل». وهذا لن يعرقل دوره بالتنسيق مع سورية من خلال الجيش العراقي، ورفض الدور الاسرائيلي في أمن الملاحة في بحر يشعر العراق أنه مكلف بالدفاع عنه في وجه «إسرائيل» والأميركيين والكثير من الدول الخليجية المتورطة فيه. ومثل هذا الدور الوطني ينقل الارتباك من الحشد الشعبي الى الأميركيين في العراق واضعاً احتلالهم له في أفق ضيق لا يستند إلا لقوى موجودة في تركيا والسعودية ولا يبدو أنها تبالي بالعودة الى وطنها.
|