تَتحضّر كلّ من سورية والأردن لإعادة فتح معبر جابر نصيب عند حدوديهما أمام حركة انتقال الأفراد والشاحنات بعد أربع سنوات على إقفاله من قبل الحركات الإرهابية المدعومة من المخابرات الأردنية، فيما تسجل حكومة لبنان صمتاً ملتبساً وكأن هذا الحدث الضخم لا يعنيها من قريب أو من بعيد.
للتوضيح فقط فإن عائدات هذا المعبر لبلديه معاً تبلغ ملياري دولار سنوياً، وبذلك تتعدّى خسائر عمان ودمشق الفعلية ما يزيد عن الثمانية مليارات دولار خلال إقفاله.
لبنان بدوره خاسر كبير من إقفال الحدود اللبنانية السورية بسبب اندلاع الأزمة السورية وتعاون الإرهاب في سورية مع نظيره اللبناني بتأييد من حكومات لبنانية متعاقبة تُوالي السياسة السعودية من دون شروط، ولو على حساب مصالح لبنان حتى الآن.
بالعودة الى حكاية جابر نصيب لا بدّ من الإشارة الى أنّ تعاون الجيش الأردني مع إرهاب داعش وبعض التنظيمات المتطرفة في محافظة درعا أدى طبيعياً الى سيطرة المنظمات الإرهابية على كامل منطقة الحدود الأردنية السورية. كما سهّلت المخابرات الأميركية في قاعدة التنف سيطرة الإرهاب نفسه على منطقة الحدود السورية العراقية.
وكان هاشميّو الأردن يعتقدون أنّ تأييدهم للحلف الأميركي السعودي الإسرائيلي يؤمّن لهم معونات اقتصادية واستقراراً سياسياً واكتشفوا بعد سنوات أربع مدى تراجع المساعدات التي كانت تردهم من المحور السعودي الإماراتي الكويتي بنسب كبيرة.
سياسياً اكتشفوا أنّ مليوناً ونصف مليون نازح سوري استقروا في بلادهم متسببين بأزمات اقتصادية مضنية وبزعزعة الاستقرار السياسي، وذلك بانفتاح قيادات النازحين على مجموعات أردنية متطرفة جنوب البلاد.
بالإضافة الى بوادر علاقات لهؤلاء السوريين مع أردنيين من أصول فلسطينية من مؤيدي التطرف الإسلامي وخصوصاً الاخوان المسلمين.
هذه العوامل المستجدة شكلت رعباً للملك الأردني الذي كان يعتقد أن انخراطه في مشروع تدمير سورية من شأنه إلحاق محافظة درعا السورية ببلاده وربما مناطق أخرى الى جانب ما كان يحلم به من اموال المساعدات الخليجية.
وإذا كانت هذه العوامل أرعبته فإنّ مشروع صفقة القرن كاد يُرديه صريعاً، فكيف يمكن للأميركيين والإسرائيليين الاعتقاد بإمكانية الحصول على تأييد المملكة لتوطين مليون ونصف مليون من النازحين الفلسطينيين في لبنان وسورية مع فلسطينيي الأردن مقابل دعم خليجي بمئة مليار دولار.
أليس من الجنون الصرف أن يقبل الأردن بمشروع يدمّر «هاشميّته» ويحوّله كياناً فلسطينياً كاملاً قابلاً لضم ما يتبقى من الضفة الغربية وهذا جزء من مشروع توطين أعداد فلسطينية أكبر في صحراء سيناء يجري إلحاقها بغطاء غزة. وإذا كانت دول مثل مصر والعراق قادرة على توطين فلسطينيين من دون المساس بتوازناتها الاجتماعية فإنّ بلداً صغيراً على شاكلة الأردن يؤدّي التوطين فيه الى إلغاء هاشميته السياسية وكيانه الأردني.
فيكون دور الدولة الأردنية بإقفال معبر نصيب في وجه السوريين ذهب الى عكس ما كان يخطط له الأردنيون من تحسين أوضاعهم الاقتصادية والسياسية فخسروا حصتهم من عائدات الانتقال على المعبر والمقدرة بأربعة مليارات دولار مع احتمال إسقاط كيانهم السياسي لذلك سارعوا ببراجماتية واضحة الى فتح الحدود مع الدولة السورية لإعادة فتح المعبر بموافقة من تحالفاتهم الخليجية والأميركية. وكان ذلك ما يشبه الاعتراف العلني بانتصار سورية على الإرهاب في مناطق الجنوب بدءاً من حدودها مع جولانها المحتل وحتى الحدود العراقية مروراً بحدود الأردن ومعبره نصيب.
لذلك يأمل الأردنيون تطوير عائدات المعبر ورفعها الى معدلات تستطيع سد العجز الاقتصادي المتفاقم.
هذا ما فعله الملك الهاشمي المتورط أكثر من لبنان بالأزمة السورية فماذا عن لبنان؟
حاولت التيارات الموالية السعودية في حكومات لبنان المتعاقبة أن تورط البلد في صراعات مع الدولة السورية من جهة، والداخل اللبناني من جهة ثانية، لذلك تغطي البؤر الإرهابية المحلية المرتبطة بالإرهاب السوري وتسهل لها حركة انتقالها وتشنُ حرباً إعلامية على دولة سورية غير مسبوقة بما يوحي وكأن الدولة اللبنانية هي صاحبة هذه المواقف.
لا بد هنا من تسجيل الأدوار الإيجابية للجيش اللبناني وأجهزته الأمنية ومديرية الامن العام في الكشف عن أوكار الإرهاب مع تسجيل امتنان كبير لحزب المقاومة الذي لاحق الإرهابيين في كل مكان من لبنان مقتفياً آثارهم الى أن هاجمهم مع الجيش في جرود عرسال قاضياً على تشكيلاتهم نهائياً، وسط استياء كبير من أحزاب المستقبل والقوات والكتائب والتقدمي الاشتراكي وبعض المراكز الدينية التي حاولت التحريض طائفياً لحماية الإرهاب.
يعود هذا الحديث الى السؤال التالي: هل تستطيع حكومة تصريف الأعمال اللبنانية برئاسة سعد الحريري تغليب مصالح اللبنانيين على مصلحة السعودية؟
هناك ملامح انهيار اقتصادي في لبنان ورفض خليجي أميركي لتشكيل حكومة جديدة وعرقلة أميركية أوروبية خليجية جديدة لتأمين عودة النازحين السوريين الى بلادهم الذين زادوا عن مليون ونصف مليون نازح يتسبّبون بتفاقم التدهور وأصبحت مناطقهم آمنة في بلادهم.
أما أسباب العرقلة فعائدة الى استمرار الغرب في استثمار النازحين على مستوى منع الاستقرار الاجتماعي، وبالتالي السياسي السوري وتوفير بيئة معادية للدولة السورية قد يحتاجها الغرب لتزويد الإرهاب بانتحاريين منهم واستعمالهم في أي انتخابات سورية مقبلة.
فإذا كانت هذه الحكومات اللبنانية المتعاقبة دعمت الإرهاب المحلي المعادي لسورية وتشارك حالياً في منع عودة النازحين إليها، فماذا تراها فاعلة في موضوع معبر نصيب؟
يُشكّلُ هذا المعبر أهمية اقتصادية لثلث الشعب اللبناني تقريباً بشكل مباشر على مستوى الترانزيت والنقل البري. فمواسم لبنان الزراعية والاقتصادية تمرّ من الحدود السورية نحو «نصيب» أو الحدود العراقية، هذا إضافة الى نقل البضائع الأجنبية على الخط نفسه نحو سورية والأردن والخليج أو نحو سورية والعراق والخليج أيضاً، لذلك يقول الاقتصاديون إن ارتباط لبنان براً بالخليج يفيدُ ثلثي اللبنانيين بالأشكال المباشرة وغير المباشرة، لأنه يعيد تعزيز الاقتصاد والسياحة. فالمعبر البري بآلاف الكيلومترات يعزّز ثقة الخليجيين بالأمان والاستقرار فيعودون الى لبنان وتسترجع العلاقات الاقتصادية سالف عهدها على الخط السوري الخليجي باني الاستقرار اللبناني في مراحل الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
فهل تتجرّأ حكومة تصريف الأعمال الحريرية على إعادة فتح خط العلاقات الاقتصادية بين لبنان وسورية المرتبطة حكماً بنصيب؟
لم تتجرأ على القبول حتى الآن، لكنها تتجاهل وفوداً وزارية وأمنية لبنانية تتفاوض مع السوريين في سورية، وتعلم أن خط رئاسة الجمهورية يبذل جهوداً جبارة لإعادة فتحها. فلعلها تأخذ بعين الاعتبار ايضاً أن موازين القوى اليوم لم تعُد كما كانت قبل بداية الازمة السورية، عندما كان الإرهاب يجتاح معظم سورية، اليوم هناك منتصر هو الدولة السورية مع حزب الله اللبناني وتحالفاتهما الدولية في إيران وروسيا. ومثل هذه الموازين لن تسكت على صمت حكومة الحريري الحالية أو المرتقبة لأن أمن لبنان أصبح من أمن «نصيب» ومقابله السوري جابر ومنه يتأمن قسم من العجز الاقتصادي اللبناني، معلناً أن لبنان استرجع استقراره وسيادته. وهو بانتظار البضائع والسلع والسياح من خلال علاقات عربية عربية تقوم على الاحترام وتبادل المصالح.
|