تطلق وسائل الإعلام المتنوعة رشقات تحليلية عن خلافات بين روسيا وإيران حول النفوذ في سورية، تتفاقم بموازاة ازدياد التنسيق الأميركي ـ الروسي.
ترى هذه التحليلات أنّ موسكو تعمل من أجل وقف الحرب الداخلية ـ على قاعدة إنقاذ الدولة وسيادتها على كامل أراضيها بقيادة الرئيس بشار الأسد والرعاية الروسية «الحصرية» الكاملة. وهذا غير ممكن إلا بالتفاهمات التي تعمل عليها موسكو مع الأميركيين والإسرائيليين والأتراك.
لجهة إيران، تعتقد هذه التحليلات أنّ طهران تعمل على تموضع سوري دائم في إطار حلف مقاومة يفتح نيرانه المتواصلة على النفوذ الأميركي والاحتلال «الإسرائيلي». ويربط بين استقرار الاوضاع في إيران وسورية ولبنان والعراق واليمن معاً… فلا يمكن إيقاف الحرب في جزء من هذا المحور وفتحها في ناحية أخرى.
وتضيف أنّ إنقاذ سورية غير كافٍ إذا بقيت إيران مهدّدة ومحاصرة والعراق مضطرباً وسط حرب إبادة سعودية في اليمن، والجولان محتلّ من «إسرائيل» ولبنان مصاب بذعر من «إسرائيل» والسعودية وواشنطن.
هناك إذاً فهمٌ مختلف إلى حدود التناقض بين وجهتي النظر الروسية والإيرانية حول «سورية» كما تزعم وسائل الإعلام، المكلّفة بإثارة هذه التناقضات، أو اختلاق معظم بنودها.
للإجابة على هذه الحرب الإعلامية، يسأل باحثون متخصّصون في الأزمة السورية، حول موقف الدولة السورية نفسها من هذا الخلاف، لأنها تظهر فيه وكأنها مجرد «مصيدة»، يختلف عليها صيادان أو أكثر فيما تكشف الحقائق أنّ هذه الدولة تمتلك 350 ألف جندي، ما كان ممكناً من دونهم تحرير سورية بشكل شبه كامل ومجابهة المشاريع الأميركية والتركية و«الإسرائيلية»، فهل كانت مقاتلة كلّ هؤلاء، سهلة من دون الأدوار المركزية والأساسية للجيش السوري والأفواج الرديفة والتزام هذا الشعب السوري المقاوم بالتغطية الوطنية بالمجابهة إلى درجات الاستبسال؟
وبما أنّ الدور العسكري والشعبي السوري «أساسي»، إلى جانب أدوار الحلفاء الروس والايرانيين وحزب الله، فهذا يفرض أن تكون الدولة السورية صاحبة «القرار النهائي» في تحديد خياراتها الداخلية الوطنية والإقليمية؟ وللحلفاء أدوار في المشاورة والتنسيق؟ علماً أنّ نظام التحالفات ليس شركة إحسان خيرية، بقدر ما تعبّر عن معادلة مصالح، والفارق بين التحالفات الروسية، السورية، الإيرانية، هو أنّ التحالف الدولي يعكس مصالح شعوبه في الإطار الإيجابي فيما تستند المشاريع الغربية عموماً على اجتياح الدول لتركيب معادلات تؤمّن نهباً دائماً لثروات الدول المنكسرة فتستولي على معظمها الطبقات الاقتصادية الاساسية في العالم الأميركي والغربي.
دور الدولة السورية إذاً هو من اختصاص قيادتها، بالتشاور مع الحلفاء وليس للحلفاء حصرياً كما تزعم وسائل الإعلام الغربية، حتى أنّ الحلفاء لا يقبلون بذلك.
إنما ما هي الأسباب التي تؤكد صدقية هذا التحليل؟
كانت الجمهورية الاسلامية الإيرانية سبّاقة إلى دعم سورية وكذلك حزب الله، لأنهما فهما مدى الارتباط بين استهداف دمشق وطهران وبغداد في إطار مشروع واحد، لا شك هنا في أنّ حزب الله والإيرانيين بذلوا ما في جعبتهم من جهاديات متمكّنة للدفاع عن سورية دولة وشعباً وأبلوا بلاء متميّزاً ومشروع متواصل.
الروس بدورهم شعروا أنّ المشروع الأميركي هو «رقعة شطرنج» يريد إسقاط «البيادق» الأفغانية ـ العراقية ـ الإيرانية ـ السورية ـ اليمنية بالتتابع وصولاً الى موسكو وبكين الصينية، لأنه يريد إعادة تشكيل العالم على نحو يخضع للإمبراطورية الأميركية لقرن جديد ونيّف، لذلك لم يتأخروا في الدفاع عن سورية بمئة وعشرين ألف غارة أسهمت في تسهيل حركة «الاندفاع إلى الأمام» للجيش السوري وحلفائه في حزب الله؟
فما مدى صحة «الخلاف الروسي ـ الإيراني»؟
كان واضحاً منذ البداية أنّ روسيا مقبولة سياسياً عند الأميركيين والإسرائيليين والأتراك أكثر من إيران، لأنه لهذه الأخيرة تحالفات راسخة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي على قاعدة العداء للنفوذ الأميركي و«إسرائيل» هذا ما منح موسكو دور المفاوض السياسي بالنيابة عن الدولة السورية وحلفائها إيماناً منها بأن إنقاذ الدولة يحتاج إلى حرب إنما إلى سلم ومفاوضات وتكتيكات وتراجع وتقدّم وتفتيت للمحاور المعادية، وهذا غير مقبول من إيران لتحالفاتها الواسعة من أفغانستان الى لبنان من جهة وللايديولوجيات الصارمة التي تعمل من خلالها من جهة ثانية.
لكن عمل كل من الدولتين لا يخرج عن نطاق ما تقبله الدولة السورية الوطنية ذات الأفق العروبي.
للإشارة، فإنّ الدول المستقلة لا تتطابق أهدافها ومشاريعها بشكل كامل، يكفي أن تلتقيا على نقاط محددة حتى يستقيم بينهما تحالف موقت، ومقابل الخلاف بينهما على اليمن والسعودية مثلاً هناك التقاء على الملف السوري من زاوية إيمانهما بمحورية دور سورية في الإقليم العربي، ومصالح كلّ منهما في المنطقة، فروسيا تعمل من أجل الانطلاق من سورية إلى الدور العالمي وإيران تجاهد لمنع إسقاط جمهوريتها وتحالفاتها من خلال إسقاط سورية.
المشترك إذاً كبير، لكن سبيل تحقيقه تختلف من دولة إلى أخرى.
ما هو هذا المشترك؟
معركة الدفاع عن سورية لم تنتهِ بعد والإمبراطورية الأميركية تواصل تطويق روسيا في أوروبا الشرقية والبقان وتحرّض اوكرانيا وتهاجم فنزويلا ولا تنفك تصدر عقوبات قاسية على إيران وحزب الله وتؤسّس لحروب إسرائيلية على لبنان. وتدفع نحو استعمال تركيا و«إسرائيل» والكرد والتحالف العربي كبديل عن الدور العسكري الأميركي المباشر في المنطقة.
ولعلّ الغاز من العوامل الدافعة للتحالف الثابت بين البلدين اللذين يسيطران على ثلاثة أرباع احتياطاته العالمية، ما يعني تمكنهما من الإمساك بالحركة العالمية لتوزيعه، وهذا يعني آلياً المزيد من تراجع الدور الأميركي الذي لا يُمسِك حتى الآن بطاقة الغاز إلا في قطر ذات المركز الثالث. فتصبح روسيا وإيران والساحل السوري من المناطق الأساسية في إنتاجه مانحاً هذا الحلف مكانة سياسية دولية في العقود المقبلة، مفسّراً أسباب الجنون الأميركي في كلّ مكان.
يتبيّن بالاستنتاج أنّ نقاط الالتقاء الروسية الإيرانية ذات طابع استراتيجي، فيما ترتكز نقاط التباين على التوقيت والأساليب التكتيكية، ما يعني أنّ على وسائل الإعلام ومشغّليها أن يبحثوا عن مواضيع أخرى للإثارة مع مزيد من التسلية والبناء على أوهام.
|