خسارة حزب العدالة والتنمية الاخواني للانتخابات البلدية في كبريات المدن التركية، ومنها العاصمة انقرة وزعيمة المدن اسطنبول وأضنة ومرسين. تشجّع على الاعتقاد بأن عصر الاخوان المسلمين الى أفول في تركيا وذلك بعد 15 عاماً من الحضور السياسي الوازن.
فهل يمكن لانتخابات بلدية أن تعكس مستقبلاً سياسياً؟ قد تكون للانتخابات في الأرياف سمات عائلية وطائفية وعرقية مع مجمل الانقسامات التقليدية لكن الانتخابات البلدية في المدن لها طابع حديث بعناوين سياسية فاقعة وشملت هذه المرة خسارة حزب الرئيس التركي أردوغان العدالة والتنمية في العاصمة أنقرة ومدينة اسطنبول التي توفر 30 في المئة من موازنة تركيا وتحتوي على 25 في المئة من سكان البلاد بمفردها.
للإشارة، فإنّ اسطنبول تضمّ مختلف النسيج التركي المتنوّع من أتراك سنة وعلويين وأكراد وأرمن ومسيحيين من السكان الأصليين المنتمين الى مرحلة ما قبل تأسيس الدولة السلجوقية.
هذه إذاً هزيمة سياسية تتنكر بلبوس انتخابات بلدية وتعلن بصوت عالٍ رفضاً لمسألتين: الإدارة «الاخوانية» لتركيا، ونجاح أردوغان في إلغاء الديمقراطية في بلاده وتحويل نظامها التنافسي الى نظام رئاسي يشبه دول الخلفاء والأباطرة.
يمكن التركيز أيضاً على نتائج المرحلة السياسية التي لا يزال أردوغان يترأسها: تراجع اقتصادي ملحوظ يعبّر عن نفسه بارتفاع التضخم والبطالة وانسداد سياسي في علاقة تركيا بجوارها العربي في سورية والعراق ومصر وتونس والخليج والكرد، وتوترٌ ذو طبيعة حربيّة في الصراع على الغاز مع مصر وقبرص واليونان، فتركيا اليوم في شبه عزلة تكاد تفقدها علاقتها الجديدة بروسيا على خلفية تلاعبها بتنفيذ اتفاقات استانا حول ضرورة القضاء على الإرهاب في مناطق خفض التصعيد في سورية.
وتتجه سياسات أردوغان الأخوانية الى خروج إيران عن أسلوبها التفاوضي مع تركيا، وإنهاء مرحلة الاعتقاد بضرورة التنسيق مع أنقرة.
وإذا كانت العلاقات المصرية التركية في أسوأ مراحلها بعد وفاة الرئيس المصري السابق محمد مرسي الاخواني في السجن، فإنّ علاقات أنقرة بالخليج أكثر سوءاً، حتى أنّ السعودية تموّل أنشطة للاكراد والعشائر العربية وبعض أنواع المعارضات داخل تركيا لتدمير نظام حزب العدالة والتنمية الاخواني فيها.
يمكن باختصار التأكيد أنّ العلاقات الدولية لتركيا في مرحلة أردوغان هي الأسوأ من نوعها منذ مرحلة المؤسّس أتاتورك في ثلاثينيات القرن الماضي، فأوروبا لا تريدها عضواً في اتحادها وأميركا تعاقبها اقتصادياً، لأنها بنت مشروعاً اخوانياً عثمانياً يخرِجُ عن النص الأميركي المرغوب والمقبول.
والعالم العربي الشديد الانقسام لا يقبل بأدوارها الأخوانية في ميادينه المنقسمة أصلاً، وكيف يرضى بها وهي صاحبة الدور الأساسي في تدمير سورية والعراق بفتح حدودها مع هذين البلدين لمئات آلاف الإرهابيين واحتلال جيشها قسماً من الأرض السورية والعراقية ورعايتها السياسية والتسليحية والتمويلية لمنظمات تركمانية وأخوانية تعمل الى جانب الإرهاب في ليبيا وتونس ومصر وسورية والعراق واليمن، حيث يعمل حزب الإصلاح الأخواني على خطين: سعودي في النهار وتركي في الليل. وهذا حال الفاشلين.
الأخوان إذاً في أزمة بنيوية مستعصية تؤدّي الى مزيد من انكماشهم وسببها تحوّلهم وسيلة لصعود أردوغان شخصياً كقائد يعتقدون أن له مواصفات عالمية والثانية أنهم أصبحوا مشروعاً لإعادة إحياء الخلافة العثمانية وليس دولة الأخوان المسلمين التي يؤكدون أنها لا تقبل بتفوّق جنس على آخر وتفتح أبواب القيادة في دولتها المزعومة، حسب نظام الشورى وترفض نظام الخلافة الوراثي أو السياسي.
ما يمكن هنا استقراؤه هو أنّ أردوغان متسبّبٌ أساسي في هذا التراجع الدراماتيكي للاخوان المسلمين، هذا بالإضافة الى انّ المشروع نفسه مناوئ للسمات الوراثية العائلية لملكيات الخليج وإماراتها.
ما استجلب له عداء سعودياً إماراتياً عنيفاً يدعمه الأميركيون بدورهم لاختلافه أيضاً مع مشروعهم.
وبما أنّ الاخوان يبذلون كامل جهودهم في سورية والعراق في خدمة المشروع الأردوغاني بوسائل إرهابية مستمرة، فلم يعد لديهم صديق في المنطقة العربية والعالم الإسلامي.
اما الاستثناء لديهم فهو حركة حماس الفلسطينية التي تجابهُ في غزة الهجمات الإسرائيلية وكذلك هناك دولة قطر التي تؤمّنُ لهم تسهيلات لتحالفها مع تركيا. وهذا أمر آني وموقت ينتهي عندما يريد ذلك الأميركيون الذين يمتلكون فيها قاعدة «العديد» وهي أكبر قاعدة برية أميركية في العالم.
فهل يعرف الاخوان أنّ المشروع الأردوغاني في المنطقة العربية آل إلى فشل مبين عبّرت عنه فقط انتخابات المدن التركية الكبرى، لكنها ليست هي الأدوات التي أسّست له بل ميادين العراق وسورية التي طوّقته وحالت دون تمدّده وحتى في حالة بقاء أردوغان في رئاسة تركيا فإنّ مشروعه العربي أصبح من الماضي.
لذلك يجد الاخوان أنفسهم امام خيارين:
الانتقال الى العمل السري أيّ العودة الى مرحلة القرن الماضي، أو إعلان التعاون مع المحور السوري العراقي الإيراني في إطار مجابهة النفوذين الأميركي و»الإسرائيلي» ودعم حماس في جهادها الفلسطيني.
«الأخوان» الى اين؟ قد يختبئون في مرحلة مراوحة للتأكد من الانهيار النهائي لأردوغان لكن حركة التاريخ ترحب بالشجعان فقط وتأبى التعاون مع المراوغين.
|