جبران عريجي، الرئيس والأمين والحبيب، حزم حقائب الفرح ورحل.
ترك وجعاً يسكننا كلما مرّ اسمه ورسمه وطيفه، كيف لا وهو الإنسان العصامي، بدماثة أخلاقه، بتواضعه، بحكمته، بشجاعته، بثقافته، بكلّ ما اختزن من قيم الحق والخير والجمال.
رحل جبران عريجي، الرجل النهضوي المشبع بتعاليم النهضة، الذي كتب يوماً مقالة عن زعميه بعنوان: «غياب مشعّ بالحضور»، وربما لم يكن يعلم بأنه سيأتي اليوم لنردّد معه وله «غيابك يا أمين جبران مشعّ بالحضور».
رحل جبران عريجي، أحد رجالات النهضة الكبار، الذي ملأ المنابر بحضوره المتقد بشعلة الفكر والثقافة والمواقف الصلبة.
رافقته لسنوات منذ أن كان عميداً للإذاعة والإعلام في العام 1997، وكنتُ وكيلاً له، عرفته شعلة متقدة بالفكر والثقافة والإعلام، يمارس مسؤولياته بنبض المناضل الذي لا يهدأ ولا يستكين، ومنذ ذلك التاريخ إلى يوم حام الخبيث حوله لم نفترق، لقد كان واحداً من أحبّ الناس إليّ، وهو اليوم يلازم نبضي ويسكن في نفسي.
عرفته رقيقاً في عاطفته، قائداً صلباً في مواقفه، يهزم العتو بتواضعه، يقهر الباطل بالحقيقة، يفحم الخصم بالحوار، تعملق بثقافته وسعة اطلاعه، وهو الذي آمن بأنّ «مشكلة الحرية لا تحلّ إلا بالحرية».
أيام صعبة مرّت، ومحطات معقدة، كان على الدوام هادئاً ورصيناً، يدرس الموقف بعناية، وما يترتب عليه. لقد كان ضنيناً بالحزب وبصورة الحزب، التي يجب أن تظلّ دائماً ناصعة ومعبّرة عن قيم النهضة وتضحيات الشهداء الذين ارتقوا من أجل قضية تساوي الوجود.
معه خضنا معارك سياسية وإعلامية عديدة، حملنا الهمّ القومي بكلّ أعبائه وتحدياته، بمواجه نظام طائفي لبناني موغل في التخلف والفساد، رفعنا الصوت عالياً من أجل قيام دولة مدنية علمانية ديمقراطية عادلة، وبإرادة الوحدة جاهرنا بالعلاقات المميّزة بين لبنان والشام، وبالمقاومة واجهنا احتلالاً يهودياً عنصرياً اغتصب أرضنا في فلسطين، كما واجهنا بدع الحياد والضعف والنأي بالتأكيد على عناصر قوتنا، لأنّ القوة في قاموسنا هي القول الفصل في إثبات الحق القومي. وهذه هي صورة الحزب القومي ومواقفه، ومسيرة نضال القوميين الاجتماعيين منذ التأسيس الى اليوم.
جبران عريجي، كان أميناً، ومن موقعه رئيساً وقائداً ومسؤولاً، وضع بصمة في مسيرة العمل الحزبي والنضالي، ستظلّ تلازم مسيرة النضال القومي وتحفر عميقاً في نفوس القوميين، حتى تنتصر قضيتنا الكبرى، وينتصر حقنا في الحياة والوجود والحرية.
أيها الأمين المؤتمن والرئيس القدوة والرفيق الحبيب، سأفتقدك وسيفتقدك الرفقاء وأبناء شعبنا وكلّ الأحبة، لكن ذكراك ستبقى حيّة في نفوسنا، وستظلّ حاضراً بكلّ نضالك ونتاجك الفكري والثقافي، واسمح لي أن أستعير ما كتبته لزعيمنا سعاده «غياب مشعّ بالحضور» لأنّ سعاده يعتز بأبناء نهضته الذين يسيرون بهديه على دورب العز والحرية والفداء…
أقبّلك على جبينك الموسوم بالعز… والبقاء للأمة.
|