عندما ولدتُ كانت في منزلنا، وبقيتْ كأعزّ ما تكون امرأة .
لم تبرح مخيّلتي رغم مضيّ ما يزيد على 41 سنة على رحيلها. كلما تذكرت بتغرين استعدتها في وجداني وضميري وكل مشاعري. وكلما لاحت في مخيلتي امرأة مثالية، محبة، ذكية، عطرة، باشة، وكبيرة بعنفوانها وابائها، وجدت فيها تلك المرأة التي لا يمكن ان أنسى – مريم المر .
وفاءً لها، اعيد نشر الكلمة التي حررتها بعد رحيلها، وصدرت في العدد تاريخ 12 كانون الثاني 1977 من جريدة "الأنباء" التي كان يصدرها الأمين نواف حردان في البرازيل
*
ظروف الحرب اللبنانية حالت بيني وبين وداع أحد. احد القلة الذين كنت أرغب برؤيتهم ووداعهم، كانت هي.
فالحرب المجنونة جعلتها تغادر منزل أهلي وتصعد الى بلدتها "بتغرين"، وهي التي قضت في هذا البيت خمسين عاماً تربي فيه جيلاً بعد جيل.
والحرب اياها جعلتني عاجزاً عن الذهاب الى بتغرين لأقول للعجوز، صاحبة الثمانين عاماً: سلِمت يداك.
اليوم، على الهاتف، سألتُ الوالدة عنها وطلبت عنوانها..
اذ منذ أيام قرأت لشقيقتي رسالة تقول فيها: " مريم المر تعبانة، وتود رؤيتكم.. "
كنت أريد أن أكتب لها كلمات تستحقها. أن أرسل لها صورة ابنتي ايلينا(1) التي بكت فرحاً عندما علمت بمجيئها.
لكن الجواب جاءني صدمة مؤلمة، فالتي كنتُ أحلم بزيارتها فور العودة الى الوطن، فارقت الحياة.
اتكلم عنها، وهي ليست ممن يتكلمون عنهنّ، عادة. لكنها تستحق، أن أقول عنها انها كانت كنز اخلاص، ودفقات مرؤة، واشعاع ذكاء، وفيضان حب.
فإليكِ، وقد كان أحد احلام المستقبل مكافأتك، دمعة اسى، وجرح.. انني لم أكن بالقرب منك ساعة وفاتك، ولم أمشِ في جنازتك المتواضعة، ولم أقف عند قبرك لأذرف دمعة، وأضع زهرة.
رحـمـــك اللــــه..
هوامش
(1) تيمناً باسم والدتي "ايلان جحا"، واحتراماً لتمنياتها
|