اذا انت اردت ان تبارح الى اي مكان بعيد، اعددت لك زوادة من ماء وطعام. هي مؤونة تعود إليها كلما طالبك جسدك، عطشاً او جوعاً.
هذه الزوّادة تسد حاجات الجسد وتجعله اكثر قدرة على احتمال المشاق.
مؤونة اخرى، إنما نفسية، مطلوبة من كل قومي اجتماعي قرر ان يسلك طريق الصراع، واختار بوعيه ان يكون جندياً وحجراً ومدماكاً لبناءٍ يجب ان يستمر.
المؤونة المطلوبة هي المزيد من التشبث بالمثالية الاولى التي اكد عليها سعاده: مثالية الايمان، والصدق، والقدوة والمناقب، والترفع عن الفردية وحب الذات،
فانت ان تناسيت زوّادة الطريق، ربما جعت او عطشت، وإن تخلّيت عن مؤونتك القومية الاجتماعية في الصراع الطويل الشاق المرير، ربما ضغطت الإغراءات عليك فهويت الى مصالحك الفردية ومنافعك، واخترت ولاءات اخرى غير حزبك، فاذا ايمانك بالقضية سراب، تستمر ربما منتظماً، انما بلا حياة تنبض، وبلا ضوء يخرج من اعماقك ليشع في المحيط حيث انت.
*
كل ثورة تحتاج الى مناضلين افذاذ قرروا ان يتخلوا عن كل شيء الا عن قرارهم بالانتصار.
كل نهضة، إن لم يتفولذ المؤمنون بها الى حد الذوبان بها، لا تنتصر ولا تحقق غايتها.
الثورة تستمر، تنمو وتنتصر إن كان المؤمنون بها مقتنعين، اولاً، بحقيقتها وبوجوب انتصارها في المجتمع، وثانيا، إن بقي المؤمنون على مثالية ايمانهم، وعلى مضاء عزيمتهم، وعلى تشبثهم بكل القيم التي على اساسها انطلقت الثورة.
*
ان ضعفت لديك مثاليتك، او انت تخليت عنها، فماذا تُبقي لك من مؤونة نفسية تقيك كل زلات الضعف في طريقك الطويلة التي تحتاج للكثير من العزيمة، وللكثير من انصرافك الصادق للعمل المستمر من أجل نصرة ما أنت مؤمن به.
واذا انت سلّمت نفسك للمفاسد او افسحت للامراض ان تفتك في داخلك، فكيف لك ان تحمل مفاهيم النهضة وان تبقى مصارعاً وعاملاً الى ان تنتصر.
المثالية الاولى يجب ان تستمر حية، كما لو انك في اول طريق الصراع، وان تبقى قيم النهضة هي السائدة في اعماقك وفي سلوكك، لا اي خيار آخر.
* مصححة ومعدلة عن كلمة مماثلة نشرت بتاريخ 1/1/2000 في "صوت النهضة" التي كانت تصدرها عمدة
الاذاعة في تلك الفترة، قبل ان تصدر مجلة "البناء – صباح الخير"، اسبوعياً.
|