إنها جولييت المير، إبنة طرابلس الشام، التي أجبرتها ويلات الحرب العالمية الأولى على الهجرة وعائلتها إلى الأرجنتين.
إنها الجيل الشاب من السوريين المغتربين، المنفتحين على العالم الجديد... والمنغرسين في جذورهم القومية.
إنها المرأة السورية الشامخة، العاملة إلى جانب الرجل في كل المجالات لوضع أساسات النهوض بعد قرون من الانحطاط.
إنها المُواطِنة المُقبلة على الحزب السوري القومي الاجتماعي الساعي إلى سيادة الأمة على نفسها، وغايته بعث نهضة قومية شاملة.
إنها الرفيقة المنضوية في صفوف أبناء الحياة من أجل تحقيق رفعة سورية وعزها وكرامتها.
إنها الحبيبة المخلصة التي أضاءت ظلمة الاغتراب لزعيم أوقف حياته كلها لقيادة الأمة في معارج الرقي والتقدم.
إنها الزوجة الحانية المضحية الصابرة المجاهدة لكي تُتاح لسعاده أجواء مناسبة للعطاء في جريدة "الزوبعة"، وفي الحزب، وفي تأمين كرامة العيش وصيانة مقام الزعامة.
إنها الشريكة الحازمة في تصدي سعاده لحملات الاضطهاد والملاحقات، تشنها سلطات في وطن أراد الزعيم أن يسمو به إلى علياء المجد، بينما كانت القوى الرجعية والطائفية تشد به إلى حضيض الميعان والتشرذم.
إنها الزوجة المكلومة والرفيقة الحزينة إذ أطفأ المتآمرون المحليون والإقليميون شعلة سعاده المبدعة، في حين تتخبط الأمة بين الحياة والموت.
إنها جولييت المير سعاده.
إنها ضياء، رفيقة سعاده وحبيبته وعضده في مصاعب الحياة ومخاطرها.
كتب لها سعاده في بداية علاقتهما: "سميّت التلة التي سرنا عليها وضللنا الطريق عند المساء "تلة الترافق"، والهضبة التي سرنا إليها معاً عند الظهر "هضبة الرمز الجميل". أما أنت، جوليت، فقد أسميتك ضيايا، لأنك كنت ضياءً لنفسي وسط ظلمة الحوادث والقضايا التي تكتنفني".
أشاعت ضياء الحنان والدفء والسكينة في بيت يحتضن زعيما قائداً مفكراً يخطط لتغيير مجرى تاريخ الأمة. كانت بلسم الشفاء لأوجاع جسده، ونبض التشجيع في صراعه المصيري مع تنين متعدد الرؤوس. كانت تحلم، مثل كل زوجة وأم، بمنزل وعائلة واستقرار... لكن ليس على حساب الواجب القومي المقدس.
وعندما أعاد زعيم الأمة إلى الأمة وديعتها، خسرت ضياء حبيبها ورفيقها وزوجها... لكنها امتلكت الرمز الخالد. فتسلمت الأمانة بعنفوان، وحافظت بكل ما أوتيت من طاقة على شعلة الإيمان المتوهج.
إنها الأمينة الأولى.
لم يغبْ سعاده عنها لحظة. رأته في العقيدة، في الحزب، وفي أوجه الألوف من القوميين السائرين على هدي مبادئه. شاهدته متألقاً في عيونهم، نابضاً في خفقات قلوبهم، ومتحفزاً في توثب سواعدهم.
وعندما إرتدت الوحشية لبوس القضاة المزيفين في دمشق، وانفلتت غرائز زمن العربدة... شمخت ضياء في سجنها مثالاً للكرامة التي لا تساوم. فكانت حرّة في زنزانتها، وكانوا سجناء في شرانق ذلهم!
كان لها من نفسها القدرة الأصيلة، وكان لها من سعاده الإيمان والقوة... وسيبقى لها من القوميين الاجتماعيين ذكرى لا تنطفئ، ومحبة لا تُغيّبها الأزمان.
فهي جولييت المير سعاده،
هي ضياؤه وضياؤنا...
هي الأمينة الأولى!
|