الحزب السوري القومي الاجتماعي هو حزب الوحدة بامتياز، لا يختلف في هذه القناعة قوميان اجتماعيان إلا إذا كانت لأحدهما غايات فردية ومصالح أنانية. نحن نؤمن بالمتحد الاجتماعي الأتم الذي هو الأمة السورية، ومن أجل وحدتها واستقلالها وسيادتها وعزها قدّمنا زهرة شبابنا القومي قرباناً على مذبحها... لسورية فقط وليس لنصرة شخص ما كائناً من يكون.
وفي تاريخنا الحزبي بعد استشهاد سعاده لم تكن وحدة الحزب تحصيل الحاصل، وإنما تعرضت لضغوط داخلية وخارجية نجحت في زعزعت الصف الحزبي أحياناً... وفشلت في أحيان كثيرة أخرى. لكن خطر الانقسام ظل ماثلاً منذ أن خرج أعضاء المجلس الأعلى من اجتماعهم في دمشق سنة 1954 بتسوية مقيتة بين جورج عبد المسيح وعصام المحايري. وسيكون لنا عودة مفصلة إلى هذا الموضوع لاحقاً.
نحن اليوم نعيش حالة انقسامية خطيرة، شبيهة بما حدث سنة 1974 وسنة 1987، مع فارق بسيط في الأسباب والمسببين. وعلى جانبي الخلاف، نجد شعاراً أساسياً مشتركاً ينادي به الجميع: الحرص على وحدة الحزب. وتتمسك المعارضات الحزبية المختلفة بالشعار ذاته: "الإصلاح والوحدة"، "معاً للإنقاذ والوحدة"، "نداء الوحدة"... حتى أن الوسيط الشامي يُبرر تدخله في الأزمة الحالية بأن دمشق حريصة على "وحدة" الحزب!
والقوميون الاجتماعيون هم الأكثر حرصاً على "الوحدة"، يقاربونها بمشاعر هي أشبه ما تكون بالتقديس. فلهذا الشعار عندنا قيمة استثنائية قد تكون مطلقة، تؤدي دائماً إلى التشبث بتسويات وحدوية تحمل في طياتها بذور تصدع داخلي بعد فترة قد تطول أو تقصر. تسوية سنة 1978 تفجّرت ابتداء من سنة 1982، بينما صمدت تسوية 1998 شكلياً حتى انعقاد المؤتمر القومي العام سنة 2012.
إن نقطة الضعف، بل الأصح إن مقتل تسويات الوحدة في الحزب يكمن في واحد من هذه الأسباب:
1 ـ تسوية داخلية بفعل صغوط خارجية غالباً ما تكون لغير صالح الحزب السوري القومي الاجتماعي، بل لتوظيفه في مهمات لا علاقة له بها، وزجّ القوميين في معارك لن يحصدوا منها فائدة.
2 ـ وصول أحد الطرفين إلى طريق مسدود، فيرجع إلى الانتظام الحزبي من دون أن يكون قد تخلى عن قناعاته السابقة. ولم يحدث في تاريخ الحزب أن أنشأت هيئة حزبية موثوقة ومستقلة للمراجعة والنقد الذاتي. وفي الحالات التي تقررت فيها "المراجعة"، كانت اللجنة تضم أعضاء يصح فيهم القول: "فيك الخصام وأنت الخصم والحكم".
3 ـ نجاح طرف منهما في تحقيق مكاسب سياسية تغري الطرف الآخر بالعودة لكي يكون له نصيب من المكاسب والمغانم.
شخصياً، كنت مشاركاً في إحدى التسويات (1978) ومتابعاً مدققاً في الأخرى (1998). وأعترف بأننا تجاهلنا آنذاك طرح الأسئلة الصعبة على أنفسنا أولاً. ربما لأن الوحدة هاجسنا المقدّس، وربما لأن العواصف الخطيرة كانت تتجمع في آفاق الأمة وتستدعي رص الصفوف... صحيح أن التسوية أسفرت عن نتائج إيجابية سريعة حينها، غير أن سرطان التنافر الداخلي إنكشف بأبشع مظاهره بين 1985 و1987.
الانقسام لا يهبط على الحزب من عوالم ماورائية، ولا يتوالد بمعزل عن "أبطاله" ومسببيه. وحتى في حالة وجود تدخل خارجي مؤثر، فلا بد من متواطئ داخلي يفتعل الأزمات أو يستغلها. لذلك فإن "الوحدة" التي يتوق لها القوميون الاجتماعيون، في ظل الظروف الكارثية التي تعيشها أمتنا، لا بد لها من وضع الأصبع في الجرح.
مهمة القوميين الاجتماعيين في هذه المرحلة الإقدام الواثق والشجاع على المراجعة والنقد الذاتي: لماذا وقع الانشقاق؟ من المسؤول عن وقوعه؟ لماذا تتكرر النزعات التقسيمية؟ هل توجد حاجة لنص دستوري أو تعديل دستوري يقنن الخلافات ويتعامل معها من داخل الأطر التنظيمية؟
كثيرون يتحدثون اليوم عن "الوحدة" وضرورتها وكيفية إنجازها، بينما المطلوب من العقل القومي الاجتماعي النظر إلى أبعد من الراهن. جميل جداً أن تتحقق "وحدة" القوميين الاجتماعيين، لكن الأجمل والأفضل أن لا يعاني الجيل الحزبي المقبل مرارة الانقسام وآلامه!
|