هذه قصة قارئ غير عادي، بل هو استثنائي بكل المقاييس لأنه مثال العقم الفكري المتسربل ثوباً مزعوماً من "التعليم".
قد يكون قارئاً معيناً له اسم وهوية، وسيعرف نفسه تلقائياً. وقد يكون نموذجاً لأنماط من القراء تفشوا في زمن التردي والسقوط. ونحن نعرفهم على تنوع مشاربهم، إذ نراهم ينقضون على الثقافة كما يحوم الذباب على مزبلة!
إنه قارئ يقرأ كي لا يفهم. يقرأ ليتقيأ من مستنقعات ذاته ما يمرّغ به النص المقروء.
هو يقرأ لا ليستوعب فكراً نيراً، كونه أعجز وأدنى من ذلك، وإنما لينزّ قيح حقده على قيم الحق والخير والجمال.
هو قارئ بعينه، وفي الوقت نفسه يختصر قراء نمطيين يتناسلون مسخاً بعد آخر في هذا الزمن الإلكتروني المنفلت.
هو قارئ يختار من الأسماء أسماها، ومن الأفكار أرقاها... ليعمل بها تجريحاً وتشويهاً كي يشبع غرائز نفسه الموغلة في أنانيتها المقيتة.
هو قارئ لا يعرف عظمة الإبداع لأنه وليد نزوات لم يلفحها يوماً ما وهج العطاء، فانزوى في دهاليز دونيته اللئيمة مستعداً في كل لحظة للتقنيص على السائرين قدماً إلى الأمام متسلقين من قمة إلى قمم أعلى وأسمى.
هو قارئ لم يعرف من "فضائل" الكلاب سوى العواء، ويُظهر عرفانه بأن يلحس أيدي الذين يلقمونه عظمة مُدهنة. وبقدر ما يشتد نباحه بقدر ما يرى نفسه طاووساً منفلش الريش في مرآة مقعرة تعكس تشوهات شخصية لا علاج لها.
ينتهز أية فرصة كي يهشم عطاءات الآخرين، إنتقاماً من إبداع لا يقدر على إنتاج ما يضاهيه.
يأكله حسدٌ مرضي عندما يقع بصره الأعشى على كتابات تسعى إلى مستقبل أجمل، فلا يكتفي بالتشفي الموارب بل يحاول طمس معالم الجمال بحد ذاتها.
هذا القارئ يكتفي بمسح سطحي فضفاض، لأن ما يتوافر في تجويف جمجمته من "قدرات" عقلية محدودة لا يتيح له مجالاً للغوص بحثاً عن الجوهر الأصيل... فلا يعطي سوى فقاعات تندثر في لحظات.
هذا القارئ ينطبق عليه ما كتبه سعاده في مقال "سلطة الزعيم" في جريدة "الزوبعة" (العدد 15، أول آذار 1941): "لا تجدهم يُروِّضون عقولهم في درس موضوع أو معالجة قضية. ولذلك تراهم يلتقطون الأفكار البسيطة الشائعة إلتقاطاً من غير تفكير وكد ذهن. وإذا اتفق لك والتقيت بهم وقد عثروا على كلام جديد فالويل لك، لأنهم يهاجمونك به مهاجمة عنيفة بلا شفقة ولا رحمة. فهم غالباً جهال مكابرون لا يقرون بجهلهم ولا يعترفون بتفوق أحد عليهم".
... وما أكثر هؤلاء الغوغاء في زمن مضاجعة الانحطاط والتكنولوجيا!
|