القوميون الاجتماعيون يترنحون على حافة الهاوية. الفوضى النظامية الدستورية معضلة هيّنة أمام الإنهيار المناقبي الذي عرّته الأزمة الحزبية. والمخلصون الذين يسكنهم هاجس الحزب ويؤلمهم الدرك الذي وصلنا إليه، نراهم يتخبطون في مساعيهم وأفكارهم لعل وعسى يستنزلون حلاً سحرياً من علياء الوحي!
حاولنا كثيراً وأخطأنا كثيراً. اقترحنا أفكاراً اعتقدنا بأنها يمكن أن تسد الثغرات وتقرّب المواقف... لنفاجأ بأن اللاعبين المختلفين يغيّرون قواعد اللعبة في منتصف الطريق. فنضطر للعودة إلى المربع الأول. راهنا على مصداقية البعض، وتفهمنا حيادية البعض، وسلفنا الثقة إلى أصدقاء وحلفاء. لكن عبثاً، فالأزمة أعمق وأخطر، بل هي مصيرية بكل المقاييس.
الخطأ الذي ارتكبناه (أنا أعترف بدوري... وأعتذر) أننا تعاملنا مع النتائج وتناسينا المسببات والمسببين. غرقنا في محاولة تفهّم العوارض، بحيث غامت عنا الرؤية لوضع الأصبع على الجرح مرّة وإلى الأبد. بعضنا كان صادقاً في الخطأ، وبعضنا الآخر وظّف ألاعيب السياسة القروية لتحقيق مكاسب تافهة.
خدعنا أنفسنا عندما تركنا التوقعات والأمنيات تقودنا في اتجاهات لا أفق واضحاً لها. أعدنا تلميع صورة الفاشلين لأننا كنا ـ في صميم ذواتنا ـ نخشى أن نجدد صياغة أولويات العقيدة والمؤسسات الحزبية. جرفتنا الإلفة والعادة فسلمنا أمورنا إلى من يعرف من أين تؤكل الكتف. وهكذا تحولت أكتاف الجبابرة التي أكدها سعاده إلى اكتاف مرتزقة ينقلون البندقية حسب الطلب!
الغالبية العظمى منا تجهل الدور الذي كان من المفترض أن تقوم به الوحدات الحزبية. على مدى أربعين سنة تفشّت في الحزب السوري القومي الاجتماعي، حزب سعاده، علاقات تتصف بالتبعية والاستزلام والنفعية. فما عاد قسم من الرفقاء الجدد يفرّقون بين نهضة العز ونهضة الذل. اختلطت المفاهيم وتشوهت القيم. لم تبقَ المناقب مقياساً للممارسات، بقدر ما صارت المكاسب الفردية مقياساً أوحد.
وها نحن الآن أمام منعطف تاريخي للأمة وللحزب. أيام حاسمة قد تكون مفصلية بين أن نواصل التخبط في مستنقع المياه الراكدة (ونحن نستمر في الضحك على أنفسنا وعلى رفقائنا بأننا نسبح)، وبين أن ننتشل القوميين الاجتماعيين من قاع اليأس والإحباط.
ليس لرفيق أن يُعادي رفيقاً آخر، ولا من المناقب أن يلوك سمعته وكرامته. الخلل في مكان نعرفه جميعاً، والمسؤولون عنه يعملون لغايات شخصية خارجة عن مصلحة الحزب. من الطبيعي أن نأسى على خسارة رفيق، أي رفيق. لكن خيارنا الأكيد لا تردد فيه: نحن جنود العقيدة والحزب أولاً وأخيراً. ونرتكب خطيئة، بل جريمة، إذا ما توهمنا لحظة بأن العلاج الشافي يمكن أن يأتي على أيدي الذين أوصلونا إلى هذا القعر.
وها هو سعاده يؤشر لنا معالم الطريق: "إن نهضتنا هي نهضة أخلاق ومناقب في الحياة قبل كل شيء آخر. فجميع أساليب الكلام الجميل لا يمكن أن تسد فراغ منقبة واحدة من هذه المناقب الصافية التي تبني بها الأمم عظمتها. أما المثالب فمهما كانت شديدة الحيلة والتستر، ومهما بالغت في الهرب من الإثباتات فلا نتيجة لها غير التدمير". (الأعمال الكاملة ـ الجزء السابع. صفحة 85).
مسؤوليتنا أن نقف معاً لاستعادة ألق الانتماء وحرارة الإيمان بالعقيدة... أما زمن القطعان البشرية فقد أسقطناه من حياتنا مرّة وإلى الأبد!
|