تعرّض الحزب السوري القومي لحملة إعلامية وسياسية شرسة شنها الحزب الشيوعي اللبناني بين 1944 و1945، خصوصاً بعد حصول الحزب القومي على ترخيص حكومي بالعمل العلني. قادت جريدة "صوت الشعب" الشيوعية تلك الحملة على امتداد عشرة أشهر من دون انقطاع، مستخدمة أفظع الاتهامات وأقذع العبارات. ثم عمد الحزب الشيوعي إلى تلخيص ما نشرته الجريدة، وصاغه على شكل مذكرة رفعها إلى المجلس النيابي بتاريخ 21 آذار 1945، وحملت توقيع فرج الله الحلو رئيس الحزب الشيوعي اللبناني.
ورد الحزب القومي بمذكرة مضادة رفعها إلى المجلس النيابي بتوقيع نعمة ثابت رئيس المجلس الأعلى. وتفنّد المذكرة المؤرخة في 10 نيسان 1945 الاتهامات والمزاعم الشيوعية نقطة نقطة. وقام عميد الإذاعة في الحزب الدكتور كريم عزقول بإصدار كتيب تضمن المذكرة الشيوعية بحذافيرها، ومعها الرد القومي الشامل على الحملة الشيوعية.
وأرفق مع هذه المقدمة نصاً موثقاً يأتي في سياق موقف الحزب الشيوعي العدائي ضد الحزب القومي في تلك الفترة. وقد عثرت عليه في ملفات الأمير فريد شهاب المدير العام لمديرية الأمن العام اللبناني حتى سنة 1958. وبما أن شهاب كان مسؤولاً في "لجنة مكافحة الشيوعية"، فإن الوثائق التي تركها تتضمن تقارير رفعها إلى الأمن العام صحافي مخبر إما أنه عضو في الحزب الشيوعي أم من أنصاره المقربين. ودأب "المخبر" على تقديم إخباريات يومية تقريباً طيلة الأربعينات، معظمهاعن النشاط الشيوعي.
والمقتطفات المذكورة أدناه مأخوذة حرفياً من تقرير موسع عن تحركات الشيوعيين خلال سنة 1945. وهي تعطينا فكرة واضحة عن التحرشات والمخططات الشيوعية ضد الحزب القومي آنذاك. وتجدر الإشارة إلى أن واضع التقرير تحدث عن سقوط القتيل الشيوعي إدوار الشرتوني، لكنه لم يذكر أن القوميين خسروا شهيداً هو ابراهيم منتش الذي قُتل على أيدي شيوعيين حاولوا الاعتداء على مسيرة الحزب القومي بمناسبة ذكرى وعد بلفور. ومع هذا النص صورة الصفحة الأولى من تقرير المخبر، وكذلك صورة الصفحة المتعلقة بالقوميين.
النص
... وفي هذا الوقت اشتدت دعايات الشيوعيين ضد الحزب القومي، وخاصة في المعاهد. وكان من جراء ذلك أن حاول الحزب الشيوعي إحداث فتنة في البلاد ضد القوميين نتج عنها مشاجرات بين الفريقين.
وكان الحزب الشيوعي يستهدف من وراء ذلك القضاء على الحزب القومي للعمل على تعزيز النشاط الشيوعي في البلاد.
وقد بلغ من اندفاع الشيوعيين في دعاياتهم أن وزعوا الكتاب الذي رفعوه إلى رئاسة المجلس النيابي عن القوميين كنشرة. وهذه النشرة مقدمة لكم طيه.
(.......)
وفي 2 تشرين الثاني 1945 المصادف لذكرى وعد بلفور، رُخص للسيد محمد جميل بيهم رئيس اتحاد الأحزاب المعارضة للصهيونية بإحياء حفلة في سينما روكسي احتجاجاً على وعد بلفور.
وقد سارت في المدينة عدة مظاهرات اشتركت فيها مختلف المنظمات والهيئات الوطنية ما عدا الحزب الشيوعي الذي رفض الاشتراك بها بسبب اشتراك الحزب القومي فيها.
وعند تجمع المتظاهرين أمام دار الحكومة، اندس شيوعيون بين جماعة الحزب القومي وتقدم أحدهم من سيارة تحمل علم الزوبعة وحاولوا نزعها وأخذوا يتضاربون، فتدخل رجال الأمن وفرقوا بين المتخاصمين. وانسحب القوميون إلى محلة عصور.
وهناك كانت جمهرة من الشيوعيين كامنة لهم، وعند وصولهم أمام سينما التياترو الكبير تقدم الشيوعيون من القوميين شاهرين بأيديهم العصي والمدى وأخذوا يضربونهم، فجرح منهم ثمانية أشخاص، وفي أثنائها أطلق أحد القوميين رصاصة من مسدسه أصابت الشيوعي إدوار الشرتوني فقتل.
وعندما اجتمع أعضاء اتحاد الأحزاب اللبنانية لمقاطعة الصهيونية في سينما روكسي وبدأ جميل بيهم الكلام، وقف مصطفى العريس وقاطعه قائلاً إن عضواً من الحزب الشيوعي قد استشهد وطلب من الجميع الوقوف دقيقة صمت، وهدد بأخذ الثأر ممن اعتدوا على رفيقه الشرتوني.
أما الشيوعيون فتابعوا سيرهم إلى مقر الحزب، فتكلم فيهم فرج الله الحلو مشيداً بمآثر الحزب وحمل على القوميين وأعلن عزم الشيوعيين على الثأر والانتقام لرفيقهم إدوار الشرتوني.
وفي 3 تشرين الثاني أصدر الحزب الشيوعي اللبناني نشرة تحت عنوان "الحزب الشيوعي اللبناني ينعى إلى الشعب شهيداً وطنياً لبنانياً ـ إدوار الشرتوني ـ قضى في سبيل فلسطين ضد الصهيونية برصاص العصابة السورية القومية".
|