لم يتحمّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دعوة الرئيس العراقي لسحب الجيش التركي من بعشيقة، في العراق. أصرّ على بقاء جنوده واتهم الأميركيين والإيرانيين بالتخطيط لرفض وجود قواته لقتال «داعش». وبانهم يحضّرون لتغيير ما في الموصل. تعنّت وتطاول على العبادي واعتبر أن العراق محتلّ ويحق له التواجد في أرض تراها الأوساط القومية التركية جزءاً من الأرض التركية، التي سلبت منها بعدما تعرّضت تركيا خلال حرب التحرير 1919 ـ 1922 للغش من قبل بريطانيا. كذلك، يعتبر الإسلاميون الأتراك إن الموصل مدينة سنية ولا يحق لقوات الحشد الشعبي الشيعية التواجد فيها أو دخولها. هذه القوى التركية، ترى أن المؤامرة تهدف إلى طرد سكان الموصل السنة، لصالح الشيعة. هذا ما أشار له أردوغان في خطابه أمام البرلمان، مؤخراً، إذ أشار إلى محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية في الموصل. وقال إن تركيا ستبذل قصارى جهدها لمنع ذلك.
وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية: «إن نشر قواته في معسكر بعشيقة، قرب الموصل، هو لتلبية الاحتياجات الأمنية للمخيم، لانه قريب من المنطقة التي تدور الاشتباكات. وانه ليس لتركيا أطماع في الأراضي العراقية، أو أجندة سرية، لكن تركيا أعربت عن قلقها إزاء التقارير التي تفيد بان «حزب العمال الكردستاني» سيشارك في عملية الموصل، من منطقة سنجار.
التحوّل في الاهتمامات التركية، من حلب والباب إلى الموصل، عقّد التحالفات الإقليمية المتشابكة بشكل خطير، في سورية. كذلك، عقدت عملية تحرير الموصل. تأخذ عملية تحرير الموصل أبعاداً مثيرة للجدل، بالنسبة الى تركيا، حيث تتواجد القوات التركية حول بعشيقة، التي تبعد 20 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة الموصل. فمخيم التدريب التركي، يبعد حوالى خمسة كيلومترات من قرية بعشيقة، التي يحتلها «داعش». ويتموضع الجيش التركي على تلة كاشفة لمواقع «داعش»، فالجيش التركي يملك موقعاً استراتيجياً يرغب العراقيون في استخدامه، أثناء حصارهم للموصل.
لم يتأخر المتحدث الأميركي باسم قوات التحالف الدولي، في العراق، بعد صدور قرار البرلمان العراقي بشان ضرورة انسحاب القوات التركية، أن يذكر بأن القوة العسكرية التركية في الأراضي العراقية، في بعشيقة، ليست جزءاً من قوات التحالف. وهي لم تحصل على إذن من الحكومة العراقية وبالتالي، وجودها غير قانوني.
تبدو واشنطن وكانها تحاول إعادة تقويم التعاون العسكري الإقليمي مع انقرة، ليس فقط في شمال سورية، لكن أيضاً، في شمال العراق.
برّرت تركيا، في البداية، وجودها في المنطقة، بناء على دعوة من إدارة بغداد. حيث، قام خالد العبيدي وزير الدفاع العراقي السابق، المقرّب من تركيا، في تشرين الثاني 2015 ، بزيارة إلى المخيم حيث تتواجد القوات التركية، التي انتشرت في بعشيقة بداية العام نفسه. اللافت أن تركيا، قامت بتعزيز تواجدها هناك، بعد وقوع حادثة إسقاط الطائرة الروسية، حيث اعترضت إيران وروسيا على تواجدها في العراق. كذلك، طلبت الولايات المتحدة منها الانسحاب. لكن بعد إسقاط وزير الدفاع العراقي، بالتصويت في البرلمان، عادت تركيا وبرّرت تواجدها بطلب من الإدارة الكردية، إلا ان الرئيس مسعود برزاني لم يستطع تغطية هذا الوجود، على الرغم من وقوعه تحت نفوذ تركيا.
ترى الولايات المتحدة، على لسان مبعوثها الرئاسي بريت ماكغورك، أن تركيا لا يمكن أن تشارك في هذا الحصار. وهو ليس متأكداً من أن «الحشد الوطني»، أيّ القوات التي درّبتها تركيا والتابعة لاتيل النجيفي، التي يصل تعدادها إلى حوالى 3000 عنصر، يمكنها أن تدرج ضمن القوات المقاتلة، إلا إذا جرى دمجها تحت إمرة القيادة العراقية.
من الواضح، أن قوات الحشد الشعبي ستشارك في الحصار. لكن الاميركيين لا يريدونها أن تدخل المدينة، التي يعيش فيها مليون مسلم سني. وهي لم تنسق معها. وهناك 12 لواء ستشارك في المعارك، اثنان منها من «البشمركة»، لكنهم، أيضاً، لن يدخلوا إلى الموصل، بل سيتولون الحماية والسيطرة على السكان الفارين من الموصل، وإعادة توطينهم. وقال ماكغورك انهم مستعدون لإيواء 750 ألف نازح داخلي.
أما بالنسبة إلى «حزب العمال الكردستاني» المتواجد في مخمور، على بعد 150 كلم غرب الموصل، أيّ على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من مدينة الموصل، فهو درّب مقاتلين من سنجار وعددهم 1500 إلى 2000 مقاتل، يقبضون رواتبهم من الحكومة المركزية في بغداد. لكن تركيا تخشى مشاركة الحزب في عملية تحرير الموصل. بيد أن الولايات المتحدة أكدت لها، أن وحدات «حزب العمال الكردستاني» لن تشارك في العملية. ويقول ماكغورك، إنه بعد تحرير الموصل، ستكون المدينة تحت سلطة حكومة بغداد وحاكمها سيكون نوفل أغوب. وهو ليس صديقاً للنجيفي.
تبدو الخطة مرسومة ومعدة سلفاً، إذ ستقسم الموصل إلى ثماني مقاطعات وسيكون لها نائب محافظ كردي واحد يكلفه البرزاني. وإن الشيعة لن يدخلوا المدينة والأولوية هي استكمال عملية تلعفر، حيث ارتكبت «داعش» مذبحة بحق التركمان الشيعة الذين يقطنونها.
تعترض تركيا على دخول الشيعة إلى تلعفر، أيضاً. وتقول إن الأمر يمكن أن يتسبّب بقتال طائفي.
يبدو أن الحصار سيستمرّ لفترة. ويمكن لـ«داعش» الانسحاب تدريجياً، في ظلّ الإعلان عن الخطة، إلى سورية، أيّ الرقة ودير الزور، حيث يمكنها تشكيل قوة قتالية تمتدّ وتغلق الحدود بين سورية والعراق. وهذا مطلب أميركي، يبعد تركيا عن العراق ويحملها على المشاركة في عملية الرقة. كذلك، يبعد إيران عن سورية ولا يسمح لقوات عراقية بالمشاركة في القتال إلى جانب الجيش في سورية. من أجل ذلك، استعجلت الولايات المتحدة معركة الموصل قبل الرقة.
|