يحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاتصال بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فلديه الكثير لقوله لأردوغان، فهما يجتمعان بشكل شبه دائم عند كلّ مفصل سياسي أو أمني. نجاح الخطة الروسية في سورية تبدو على رأس أولويات الكرملين، لكن ليست هي المسألة الوحيدة التي تهمّها، فتركيا الأطلسية التي تتناقض اليوم في مواقفها مع أوروبا ومع واشنطن تلجأ أكثر الى روسيا لأخذ مكتسبات في سورية ولرفع العقوبات الروسية المتبقية التي فرضت عليها بعد إسقاطها للطائرة العسكرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015.
كان أردوغان قد صرّح قبل ذهابه الى سوتشي في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر أنه سيبحث الوضع السوري مع زميله الروسي، مع إيلاء اهتمام خاص لقضية الأكراد السوريين والمؤتمر السوري الذي تدعمه موسكو. لدى تركيا مخاوف تحاول روسيا استيعابها.
روسيا التي خططت لعقد المؤتمر السورى للحوار الوطني يوم 18 تشرين الثاني/ نوفمبر في سوتشي كانت قد دعت 33 مجموعة سورية وأحزاب سياسية، بما في ذلك الأكراد وجماعات المعارضة الأخرى. غير أنها أجّلت المؤتمر بعد أن رفضت تركيا دعوة الأكراد، وخاصة وحدات حماية الشعب وحزب الاتحاد الديمقراطي الذي تعتبره أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني المحظور. نقل أردوغان في لقائه مع بوتين اعتراض بعض أعضاء المعارضة السورية على مشاركة ممثلي الأكراد.
روسيا على لسان نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف أعلنت في يوم 14 تشرين الثاني/ نوفمبر أنّ المؤتمر سيُعقد في أوائل كانون الأوّل/ ديسمبر. أكدت تركيا أنها لا تعارض مثل هذا اللقاء، لكنها أضافت أنه لا يجب أن تكون هناك جماعات إرهابية يمكن ان تدرج في المؤتمر. يخشى أردوغان من نجاح الأكراد في انتزاع ايّ اعتراف ولو بسيط في المؤتمر، مما سيؤثر بشكل فعّال على انتخابات 2019 وانفكاك القوميين الأتراك عن التحالف معه. وهو الذي أسقط التفاوض مع حزب العمال الكردستاني وأحد أسبابه تعنّتهم، وإعادة كسب أكثرية تخوّله تأليف الحكومة منفرداً عام 2015. بعد ان تعثرت هذه المفاوضات ذهب أردوغان بعيداً في حربه ضدّ حزب العمال ولا زال الطرفان في صراع دموي مستمرّ.
قبل اجتماع سوتشي طالب الرئيس التركي روسيا والولايات المتحدة بسحب قواتهما، وأبدى توجّسه من اتفاق بوتين ترامب في ايبك في فيتنام وكانت روسيا والولايات المتحدة اتفقتا على أنّ الحلّ ليس عسكرياً، إنما سياسي. لم يتطرّق أردوغان إلى الوجود العسكري التركي في سورية. حاول الرئيس الروسي التحدّث عن العلاقات الثنائية وأشار الى العمل المشترك حول سورية بين روسيا وتركيا وإيران وإيقاف العنف الذي نجحت روسيا في بسطه بعد الاتفاق على مناطق خفض التصعيد.
يبدو موضوع المجموعات الكردية حساساً جداً، إضافة الى موقف تركيا في إدلب وموقفها من عفرين، حيث تعتبر روسيا أنّ المؤتمر خيار سياسي مهمّ للتوصل إلى تسوية سلمية في سورية، كما هو حال جنيف وأستانة. فالعلاقات الروسية التركية وصلت إلى مستوى غير مسبوق من التعاون. لكن تركيا مهتمّة بالنفوذ المتزايد لقوات سورية الديمقراطية، وترى أنّ الأسلحة التي قدّمتها الولايات المتحدة الى قوات الحماية الكردية تصل الى يد حزب العمال الكردستاني.
تعتبر روسيا أنّ الاتفاق مع تركيا حول سورية أكبر إنجاز للدبلوماسية الروسية. وتعي تركيا أنّ روسيا أصبحت دولة رئيسية في «الشرق الاوسط»، بعد تدخلها في سورية في أيلول/ سبتمبر 2015.
فهي تحاول دعم علاقاتها مع دول عربية وإقليمية وتفعيل الدبلوماسية، لكن بحذر.
العلاقات الروسية التركية قامت على التسوية، لكنها ليست علاقات مستقرة، فموسكو تدعم القضية الكردية في العام وهي لا تريد أن ترى أكراد سورية يرتمون في حضن الولايات المتحدة الأميركية لذلك ترغب في إدراجهم في عملية السلام السورية، بينما هدّدت تركيا بالتدخل العسكري في عفرين لعرقلة الممرّ الكردي. ومع ذلك، فإنّ الروس يريدون أن يبقى الأتراك مراقبين في إدلب، كما اتفقوا في أستانة. لم تعطِ روسيا الضوء الأخضر لعملية في عفرين. وبينما كان أردوغان في سوتشي، كان نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الروسي، في القامشلي، لاستقبال أسر المقاتلين الروس الذين انضمّوا إلى داعش.
عملت روسيا جاهدة من أجل مشاركة الأكراد في كافة الاجتماعات بما في ذلك في جنيف وأستانة. وأكدت أنها لن تكون جزءاً من أيّ اشتباكات بين قوات النظام في سورية وقوات الحماية، فهي تريد لعب دور تصالحي، وتريد أن ترى ممثلين عن الأكراد والسرياني والأشوريين والأرمن والتركمان مشاركين جميعاً في المؤتمر الشعبي السوري الذي تخطّط له.
أما النظام في دمشق فهو ليس مستعداً للتفاوض على تسوية سياسية مع الأكراد. صعّد من تهديداته بعد «تحرير الرقة».
أما الأكراد فهم يرون أنّ التوصل إلى تسوية سياسية في سورية يشكل ضمانة بأنّ تركيا لا تزال غير قادرة على تحقيق أهدافها على الرغم من نجاحها في إدلب. فكلما كان هناك توافق أميركي روسي يمكن للأكراد ان يضمنوا عدم وقوع هجوم. بالرغم من ذلك لا زال أردوغان يهدّد باجتياح عفرين بينما ترى واشنطن انه في ظلّ وجود التحالف لن تتعرّض المنطقة للضرب بينما يعبّر أردوغان عن غضبه وخيبة أمله من الولايات المتحدة يقول إنه طلب من بوتين أن يسحب قواته من عفرين، كما وعد ويتمنّى ألا يُصاب بخيبة أمل أخرى.
|