يراهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على تمتين العلاقة مع الرئيس الأميركي الجديد، فهو يرى أنهما متشابهان. فالرئيس الاميركي، الشعبوي، مثله تماما، انتقد الصحافة الأميركية، التي وقف معظمها ضد حملته الانتخابية. لكنه لم يضع يده على الإعلام، أوسجن الصحافيين ومنتقديه، كما يفعل أردوغان. بل دلت الاحداث أنه مجبر على الالتزام بالدستور والقوانين الاميركية، بعد أن تم نقض قراره على يد القضاء الاميركي. لا يستطيع الرئيس الاميركي المساومة بشان القانون، بل هو يخضع له وللقضاء. لذلك، سيكون القضاء الاميركي بمثابة العقبة أمام مطالبة تركيا للولايات المتحدة، تسليمها محمدفتح الله غولن، المقيم في بنسلفانيا. هي تتهم غولن بانه العقل المدبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز 2016. يشغل هذا الموضوع أردوغان، الذي يسعى ألى تثبيت سلطته، عبر تعديل الدستور وطرد واقالة من يشك بانتمائهم الى جماعة الخدمة، في كل قطاعات الدولة وهم بمئات الالاف. فالرجل ينتابه الشك، حتى في رفاق دربه واعضاء حزبه. لذلك، يعتقد بان كبح جماح «الجماعة» لن يتم، إلا إذا كسر صورة الرمز، أي غولن ووضعه في السجن وحاكمه.
هذه القضية، هي إحدى المواضيع الشائكة التي طرحتها تركيا على مايك بومبيو، رئيس الاستخبارات الاميركية المعّين حديثا، الذي يزور تركيا لإجراء محادثات مع المسؤولين، في اطار زيارته الشرق اوسطية، بعد أن اكد الرئيس الاميركي دونالد ترامب لاردوغان، أهمية تركيا كشريك استراتيجي وحليف في «الناتو»، خلال المكالمة الهاتفية التي دامت 45 دقيقة. وفي بيانه ركز البيت الابيض على «الالتزام المشترك لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله» بين البلدين. ورحب بمساهمات تركيا للقتال ضد «داعش». لم يتفوه أردوغان بكلمة واحدة، عن حظر دخول المهاجرين من بلدان مسلمة الى الولايات المتحدة، الذي قرره ترامب. كذلك، فعلت الصحف الموالية للحكومة ولحزب العدالة والتنمية، التي لم تنتقد القرار وآثرت عدم استفزاز الرئيس الاميركي. ومن المفارقات، أن أردوغان انتقد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، عند استخدامها مصطلح «الإرهاب الإسلامي». لكن جهود أنقرة تتركز الآن، على مراعاة ترامب ومحاولة الاستفادة من رغبته في محاربة «الإرهابيين الإسلاميين المتطرفين».
كانت نخب حزب العدالة والتنمية تنتقد الحكومات العلمانية. وترى أن علاقات تركيا التاريخية والثقافية والدينية، تملي عليها سياسة تعاضدية «تستند إلى القيم، حيث كانوا يشعرون بعمق الألم الذي يعاني منه المسلمون في فلسطين وفي ليبيا وسورية». لكن، يبدو أن الأمرلم يعد كذلك.
ليس من الواضح حتى الآن، ماذا ستفعل إدارة ترامب على كل الجبهات، لكن الحكومة التركية تريد القيام ببداية جديدة مع واشنطن. أنقرة تسعى لخطوط اتصال مباشرة، من أجل إقناع الإدارة الجديدة بوجهة نظرها، قبل أن ترسم قراراتها. فاولويتها اليوم، فتح معركة ضد حزب العمال الكردستاني المحظور. ومكافحة ما تسميه الحكومة، منظمة الإرهاب «فيتو»، أي جماعة فتح الله غولين. وهي تنطوي على تهديدات وجودية. والولايات المتحدة يمكن أن تكون إما مصدر أزمة، أو حل كل القضايا. فمن الطبيعي أن تحاول تجنب أي أزمات يمكن أن تثير ضجة بين العاصمتين. وهذا ما يفسر الصمت، ليس فقط من الحكومة، بل أيضا من وسائل اعلامها، على حظر الهجرة. مع أنه قرار مثير للجدل ومهين ضد العالم الإسلامي. هل هذا يعني نهاية للسياسة الخارجية «المبنية على القيم» الشهيرة للحكومة التركية.
يبدو أردوغان أكثر من براغماتي. في هذه الفترة، يزور وزير خارجيته السعودية، من أجل أن تدعمه ضد أي مشروع يلحظ حكما ذاتيا كرديا في سورية. مع انه يختلف معهم في تشكيل وفد المعارضة إلى جنيف. يشدد على تحرير الموصل، ليغمز من قناة الحشد الشعبي، ارضاءً لهم. وفي الوقت عينه، تقوم الاستخبارات التركية بالقبض على 400 اجنبي، تعتقد بانتماءهم الى «داعش»، في رسالة الى الاميركيين والداخل التركي، في آن. مفادها أن تركيا تحارب الارهاب، ليس في شمال سورية فقط وانما في الداخل التركي. وهي رسالة للاستثمار في الاستفتاء على الدستور وتصوير الامن التركي قادرا على التخلص من الارهاب.
يريد الاتراك، من خلال زيارة مايك بومبيو، الجلوس على طاولة والتفاوض مع ترامب والعمل على وضع صيغة للحد من منطقة نفوذ حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات الحماية الكردية وزيادة التعاون مع النظام السوري وروسيا، في هذا الشان وغيره. هذا من شأنه أن ينطوي على الجلوس مع نظام الرئيس بشار الأسد. وخفض الدعم للجماعات المعارضة المدعومة من أنقرة. لكن حتى مع هذه الخطوات، ليس هناك ما يضمن أن خطط تركيا سوف تتداخل مع مصالح الولايات المتحدة، أو روسيا. فواشنطن مستمرة في تسليح وحدات الحماية الكردية، على الرغم من احتجاجات أنقرة. في حين أن موسكو، دعت ممثلي حزب الاتحاد الديمقراطي إلى زيارتها في الاسابيع الماضية، على الرغم من عداء تركيا تجاه هذه المجموعة.
لقد استثمرت واشنطن كثيرا في الأكراد السوريين. ومن غير المحتمل أن يلغي البنتاغون تحالفه معهم، لا سيما في خضم الجهود الجارية لالتقاط الرقة، فالبنية التحتية اللوجستية للهجوم على الرقة، موجودة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، حيث يضم التحالف أربع قواعد عمليات متقدمة: ثلاث في منطقة الحسكة وواحدة في كوباني. وهو يخطط لإضافة المزيد. لكن قاعدة إنجرليك الجوية، لا تزال أساسية للتشغيل. وتركيا كانت هددت بالغاء وصول قوات التحالف منها واليها.
كذلك، قامت انقرة، اثناء استقبالها لوفد المعارضة السورية، بتحريضه على عدم القبول بمناقشة تفاصيل الدستور السوري المرتقب، بعد أن لحظت في مسودة الدستور، الذي قدمته روسيا الى مؤتمر الاستانة الاول، اقتراح حكم ذاتي كردي. يخشى أن تقرر أنقرة لعب دور رد الفعل والتأثير على محادثات السلام السورية، نظرا لاستمرار عدم قدرتها على تغيير مسار الأحداث في سورية. لكن هناك القليل يمكن لتركيا القيام به ضد روسيا، فهي تحاول الحفاظ على موازنة علاقاتها بشكل دقيق. أما في معركة الباب، حيث تتقدم والجيش الحر من الشمال والشرق وتقوم روسيا بالتنسيق نيابة عنها وعن النظام السوري، الذي تغلق قواته وحلفاؤها وحزب الله، الطريق وتتقدم من الجنوب والغرب، من من أجل ابعاد القوات عن بعضها. فيما ذكرت معلومات، «أن روسيا وتركيا اتفقتا على أن القوات الموالية للحكومة، هي من سيدخل مدينة الباب. وليس الجيش الحر والجيش التركي».
لا تبدو الامور واضحة بالنسبة الى تركيا، التي تريد الانكفاء إلى الداخل، دون تسجيل أي خسارة، جراء حربها على سورية. لكن هل يمكن خسارة الحرب دون دفع أي أثمان.
|