تعتبر تركيا، أكبر شريك تجاري لدى أربيل وتنتشر قواتها العسكرية على طول الحدود الكردية، موقفها مهمّ بالنسبة إلى الأكراد في إقليم كرستان، لكن البرزاني يعلّل سبب انفصال إقليم كردستان بأنّ الحكومة المركزية في بغداد لم تحترم الدستور الذي عقد عام 2005، وكان قد أكد آنذاك انّ حكومة الأكراد الإقليمية جزء من دولة العراق. لكنه اشتكى في ما بعد من أنّ المسؤولين العراقيين لم يحترموا الالتزامات الأساسية في الدستور العراقي. ولم يصادق البرلمان العراقي، قانوناً بشأن إنشاء مجلس آخر في البرلمان يمثل المحافظات والأقاليم كما هو مطلوب بموجب المادة 65 من الدستور. لم تمرّر الحكومة في بغداد قانوناً لإنشاء المحكمة العليا الوطنية بموجب المادة 92 من الدستور ولا قانوناً في شأن تنظيم أجهزة الاستخبارات الوطنية حسب المادة 84 من الدستور. كما نص الدستور العراقي كذلك، في المادة 80 منه، على ضرورة موافقة مجلس النواب على تعيين كبار ضباط الجيش.
حصل الأكراد على الاعتراف في مفاوضات عام 2005 على قوات الأمن الكردية، المعروفة باسم قوات البيشمركة، ذلك بموجب البند الخامس من المادة 121 من الدستور العراقي. لكن النزاع النفطي بين بغداد وأربيل حمل تعقيدات قانونية وسياسية. وتنص المادة 112 من الدستور العراقي على منح كلا الطرفين دوراً في هذا المجال، بيد أنهما لم يتفاوضا حتى الآن بشأن كيفية إدارة قطاع النفط المتنازع عليه. ولم يجر حلّ مسألة الأقاليم المتنازع عليها ومسألة محافظة كركوك، وفق المادة 140 من الدستور العراقي التي تنص على إجراء استفتاء شعبي في الأقاليم المتنازع عليها بحلول عام 2007، لكن لم يعقد ذلك الاستفتاء في العام 2014، ساعدت واشنطن على إبرام اتفاق بين بغداد والقيادة الكردية العراقية في شأن تقاسم السلطة وجرى تأمين أصوات ممثلي الأكراد لانتخاب رئيس الوزراء العراقي الجديد حيدر العبادي.
والآن في عام 2017 تحوّلت محافظة كركوك وحقول النفط فيها إلى نزاع سياسي كبير. ندّدت واشنطن بقوة بإجراء الاستفتاء الكردي، وأعلنت أنه ينبغي على برزاني والأكراد قبول العملية السياسية الجديدة بشأن تسوية مسائل الدستور العراقي والمطالب الكردية. لم يتحدّث الرئيس الاميركي دونالد ترامب ولا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع البرزاني على الهاتف لدفعه مباشرة إلى التخلي عن الاستفتاء، على العكس من ذلك، كانت هناك تقارير إخبارية عن صفقات جديدة للطاقة بين شركة روسيان كومباني الرائدة وحكومة إقليم كردستان في الأسبوع الماضي فقط.
كما أنّ واشنطن ربما أعطت الضوء الأخضر غير المباشر للاستفتاء، ما يعني أنّ المنطقة يمكن ان تعيش فوضى وعلى الأميركيين والروس ان يتعاملوا معها.
صعوبة قيام البرزاني بإلغاء أو تأجيل الاستفتاء تفسّر على أنها هزيمة سياسية كبيرة له من قبل القوى الإقليمية، وبالتالي نهاية سبب وجوده. لذلك أكد انّ الاستفتاء مستمرّ وانّ الأكراد العراقيين سيسعون الى إجراء محادثات مع الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة لتنفيذ نتائج نعم المتوقعة من الاستفتاء حتى لو استغرقوا سنتين أو أكثر. وأكد انّ الإقليم لن يعود ابداً الى الشراكة الفاشلة مع بغداد، وليس الدولة الديمقراطية التي كان من المفترض ان تبنى بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003.
ورفض البرزاني قلق جيران العراق وتركيا والقول انّ التصويت قد يزعزع استقرار المنطقة وأكد انه سيلتزم باحترام قوانين الحدود الدولية ولا يسعى الى إعادة رسم حدود المنطقة.
أردوغان من جهته شدّد على انّ أرض إقليم كردستان لا تنتمي فقط إلى الأكراد. هناك التركمان والعرب الذين يعيشون هناك، ومن الخطأ أن يتصرف الاقليم كما لو كان الوحيد هناك.
تعتبر تركيا استفتاء الاستقلال غير شرعي ولاغياً وباطلاً . واّن قيادة حكومة إقليم كردستان ستكون مسؤولة عن النتيجة، وأنّ أيّ تغيير في الوضع أو أيّ تشكيل للكيانات الجديدة على الحدود الجنوبية للبلاد لن تقبله تركيا أبداً.
تقول بعض الأوساط الأميركية انّ مشروع دفع مرتبات الحشد الشعبي والسلطة التي يتمتع بها بعد تحرير الموصل ومناطق أخرى من داعش إلى جانب المشاكل التي ذكرنا آنفاً الى جانب اتهام الحكومة بالطائفية، حملت كردستان على عدم تأجيل الاستفتاء كما طلب الأميركيون وليس الغاءه.
يخلط الاستفتاء الأوراق ويطرح تساؤلات جدية حول الموقف التركي الذي بدأ يطالب بحقوق التركمان في كركوك مع العلم انّ البرزاني لا يرى انّ تركيا ستكون دولة معادية لإقليم كردستان بل ستكون حليفاً تجارياً وسياسياً بعد الاستفتاء.
|