يراهن الرئيس التركي على نتائج الانتخابات الاميركية، ليبني سياسته على مقتضى هذا المتغيير المهم في السياسة الاميركية. يوجه سهامة لهيلاري كلينتون التي تلقت دعماً ماليا من جماعة غولن، كتبرع لمؤسستها. ويرسل فريق عمله، الذي ينشط بين نيويورك وواشنطن. ويصرح بانه يمكن أن يلتقي ترامب حتى قبل دخول الاخير البيت الابيض في 20 كانون الثاني، بعد ما تلقى اشارات ايجابية عبر شجب دونالد ترامب للانقلاب الذي حدث في تركيا، في 15 تموز. لا شك أن شعبية الرئيس التركي زادت بعد هذا الانقلاب وهو استطاع استقطاب القوميين عبر التحالف مع حزب الحركة القومية، اضافة إلى شعبيته الاناضولية المسلمة المحافظة والاسلاميين، بعد اعلانه الحرب على ارهاب «داعش» وحزب العمال الكردستاني، الذي اعلن رغبته بالانفصال.
استطاع أردوغان أن يحشد مؤيدين للعمليات العسكرية المحتملة في سورية والموصل في العراق، الذين يدعمونه في كل الشؤون الأمنية، التي تحمي الداخل من العمليات العسكرية لحزب العمال وتدفع شر التقسيم عن تركيا. لكن التفويض الشعبي لعملية مكافحة الارهاب في داخل تركيا، مسألة شرعية، أما في العراق وسورية، فهي غير كافية، لأن هدف أنقرة الأساسي، هو السيطرة على شمال سورية وايجاد وسيلة للمشاركة في عملية شرقي االفرات، من أجل انهاء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري والتحكم بكانتونات كوباني والجزيرة. ولا يمكن لانقرة فرض حضورها العسكري في شرق نهر الفرات، الا من خلال تطهير الباب من «داعش» والسيطرة على منبج. وبالتالي، خلق منطقة عازلة في جرابلس منبج، الباب والراي. وهذا الموضوع يحتاج الى موافقة واشنطن وموسكو.
لدى أنقرة هدفين أساسيين في العراق، الاول: أن تكون جزءا من عملية الموصل. والثاني: القضاء على سيطرة حزب العمال الكردستاني، في منطقة سنجار، التي تشكل جسرا بين العراق وسورية، من أجل وضع اليد على ممر حزب العمال الكردستاني، من جبال قنديل إلى شمال سورية.
ترى أنقرة انها اصبحت مطوقه بممر شيعي. وهي ترى أن الامر الحيوي هو تقسيم الممرات الشيعية في شمال غرب العراق وسورية. ومن سورية إلى لبنان، أي من إيران إلى لبنان، في الجنوب. كذلك، ممر حزب العمال الكردستاني من قنديل الى عفرين في الشمال.
استقبلت انقرة فوز دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأميركية بتفاؤل كبير، فهي تعتقد كما بعض الشخصيات التركية، أن فريق ترامب سوف يتفهم موقف تركيا من العراق وسورية ويدعمها في صراعها ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سورية. كذلك، سيدعمها ضد تنامي النفوذ الشيعي في العراق.
لكن لا يمكن للطائرات التركية التحليق فوق شمال سورية، كلما أرادت. فالحل ليس مرهونا بواشنطن، انما بموسكو. وبعد الجهود الدبلوماسية المكثفة مع موسكو، استطاعت أنقرة في 13 تشرين الثاني الحصول على موافقة موسكو، من أجل ضرب أهداف حول كانتون عفرين، لمنع قوات وحدات حماية الشعب، من التقدم إلى الباب. هي تسعى للضوء الأخضر من واشنطن وموسكو، على حد سواء، بعد أن سجلت موسكو اعتراضها على الطائرات التركية العاملة في المجال الجوي السوري، دون موافقتها. فأولوية أنقرة الاستراتيجية، هي أن تكون في غرب الفرات وان تتوجه والقوات المتحالفة معها، اي «الجيش السوري الحر» إلى الباب ومن ثم الى منبج. لكن هل ستسمح لها موسكو بأن تستولي على مدينة الباب؟ وهل يمكن أن تقنع الادارة الاميركية الجديدة، بانها لا تتهور وتضرب حليفا أساسيا لواشنطن في حربه ضد ارهاب «داعش» اي الاكراد.
واشنطن، اذا، لا تريد حربا بين حلفاءها الاكراد والاتراك. كذلك، لا تريد من تركيا، التي حشدت قواتها في سيلوبي، على الحدود العراقية التركية، أن تصطدم بحلفاء واشنطن العراقيين. لا يكفي أن ترسل أنقرة فريقا من المستشارين إلى واشنطن ونيويورك، من اجل التواصل مع فريق الرئيس الجديد، لتنال ما تريد. فأردوغان لم يستطع التناغم مع الرئيس باراك أوباما، الذي انتقد، علنا، تدهور حالة الديمقراطية في تركيا وبدا متردّداً في تسليمه فتح الله غولن، رجل الدين الإسلامي، الذي اتهم بتدبير محاولة انقلاب 15 تموز، لا سيما أنّ سياسات أوباما في العراق وسورية، لم تتطابق وتوقعات أنقرة. بينما يعتبر أنّ وجهة نظر فريق ترامب في سورية والعراق، أظهرت تشابهاً مع مواقف تركيا، خصوصا في ما يتعلق بالحاجة لفرض منطقة حظر جوي فوق سورية.
كانت انقرة قد تشجعت، من خلال مقال صاغه الجنرال المتقاعد مايكل فلين، أحد كبار مستشاري ترامب. الذي كتب أن واشنطن تعلم أن تركيا هي «مصدر استقرار في المنطقة. وهي حيوية لمصالح الولايات المتحدة». وقارن محمد فتح الله غولن بآية الله الخميني. وقال انه داهية. اتهمه بالإسلام الراديكالي الذي يستمد أيديولوجيته من رجال الدين المتشددين. لذلك، لا ينبغي للولايات المتحدة أن توفر له ملاذا آمنا.
كما أن نائب الرئيس المنتخب، مايك بنس، قال أن» تركيا هي الحليف الأكثر أهمية للولايات المتحدة في المنطقة. وقال: إنه سوف يعيد العلاقة مع تركيا إلى موقف أفضل، تماما كما كانت في الايام الماضية.
بعض الاشارات الاولية من واشنطن، تؤشر إلى أن وضع أنقرة قد يكون أفضل قليلا تحت إدارة ترامب، فيما يتعلق بغولن. الامر الذي من شأنه أن يصعب اقامة الرجل في الولايات المتحدة. وهذا سيرضي أنقرة إلى حد ما. لكن مسألة تسلييمه لانقرة، لن تكون سهلة، لا سيما أن لدى غولن فريقا قانونيا قويا ينوب عنه ويجيد استخدام النظام القانوني الأميركي إلى أقصى فائدة.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن عدم وجود تمييز لدى ترامب، بين ما يعتبر جماعات اسلامية معتدلة، مثل «الإخوان المسلمين»، والجماعات المتطرفة، سيكون مصدر توتر محتمل بين أنقرة وواشنطن، حيث أن تركيا لا تزال مؤيدة بقوة لـ«الاخوان». كذلك، هناك وعد ترامب بالسعي إلى خفض المساعدات لـ«الجيش السوري الحر» المدعوم من تركيا، على اعتبار أنه يتكون من عناصر إسلامية غير مرحب بها.
مشكلة تركيا أنها تراهن على ترامب، عبر تصريحات أدلى بها. لكن موقفه الفعلي، كرئيس للولايات المتحدة، لا يزال غير معروف في كثير من القضايا. فدعمه القوي لـ«إسرائيل وتهجمه السلبي على المسلمين معروف. وهذه مشكلة بالنسبة لأنقرة، في ظل رئيس إسلامي قوي، بنى شعبيته على اسس لا تتلاءم، في معظمها، وطروحات ترامب، التي يمكن أن تتحول إلى عقبة، عندما لا تلبي الحدود الدنيا من طموحات أردوغان.
|