يمكن رصد أولى علامات التقارب بين أنقرة وطهران من خلال أزمتين متتاليتين الأولى، الأزمة بين قطر والتحالف العربي الذي تقوده السعودية، والثانية، من خلال استفتاء الانفصال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان في العراق يوم 25 أيلول/ سبتمبر، الذي عجّل في هذا التقارب بين الدولتين الذي وصل إلى التعاون العسكري الأمني.
مؤشرات عدة تدلّ على تطوّر العلاقة بين البلدين، أهمّها زيارة رئيس الأركان الإيراني الجنرال محمد باقري إلى أنقرة في الفترة الواقعة من 14 إلى 15 آب/ أغسطس، وبعدها زيارة رئيس الأركان العامة التركي الجنرال خلوصي أكار في زيارة من 1 الى 4 تشرين الأول/ أكتوبر لطهران، وآخرها الزيارة التي قام بها أردوغان إلى طهران يوم 4 تشرين الأول/ أكتوبر 2017.
أما النتائج الملموسة فكانت تعزيز التعاون في تأمين الحدود، وتنسيق الاستخبارات، والقيام بعمليات مكافحة الإرهاب. أما الهدف الأساسي فهو إقامة صلات بما يتعلق بالموضوع الكردي. وقّع البلدان بروتوكولاً لتنفيذ تدريبات أمنية مشتركة على الحدود وإجراء دوريات حدودية مشتركة تستهدف التهريب عبر الحدود، لإيقاف عمليات التهريب التي كان حزب العمال الكردستاني وبيجاك، أيّ الحزب الكردي الإيراني يحققان من خلالها أرباحاً.
ردّت إيران بشكل إيجابي على بناء تركيا جداراً أمنياً يبلغ طوله 90 ميلاً على طول حدودها المشتركة التي تبلغ 310 أميال، وقع البلدان على بروتوكول لتبادل المعلومات الاستخباراتية بين قيادة الدرك التركية ووحدات أمن الحدود التابعة لحرس الثورة الإسلامية على المستوى التكتيكي. كما اتفقت إيران وتركيا على الزيارات الودية لسفنهما البحرية الى موانئ بعضهما البعض ووقعت ثلاثة بروتوكولات منفصلة لتبادل طلاب أكاديمية الحرب وطلاب الطب العسكريين للتعاون في مجال التعليم. يبدو أنّ رهاب «حزب العمال الكردستاني وضرورة محاربته كانت النقطة المحورية، كذلك الاستفتاء في كردستان العراق. من الواضح أنّ هذا الأمر قد قاد أنقرة الى هذه التحالفات. فهي كانت أكثر حماساً من طهران بشأن القيام بعمليات عسكرية ضدّ حزب العمال الكردستاني وحكومة إقليم كردستان. كانت وسائل الإعلام التركية الموالية للحكومة قد أصدرت تقارير حول العمليات المشتركة المحتملة ضدّ مقرّ الحزب في جبال قنديل في شمال العراق، لكن طهران لم تبد اهتماماً بالعمليات العسكرية وصرّحت بأنها لن تقوم بعمليات مكافحة الإرهاب خارج حدود إيران.
لكن تركيا حريصة على التفاهم مع إيران في هذا الصدد ولا يمكن تصوّر التغيير الذي طرأ على حزب العدالة والتنمية بشأن هذه المسألة. ففي عام 2013، انتقد حزبا المعارضة حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومي وحتى غولن انفتاح أردوغان على حزب العمال الكردستاني. واعتبر وقتها أردوغان أن على الحزبين، وغولن قراءة أول السجلات الرسمية للبرلمان التركي لانهم سوف يرون كلمة «كردستان» في تلك السجلات. وسيشاهدون أنّ المناطق الشرقية والجنوبية الشرقية شكلت إقليم كردستان في الإمبراطورية العثمانية. لكن مفهوم كردستان، الذي دافع أردوغان عنه منذ أربع سنوات في إشارة إلى الماضي العثماني، يعاقب عليه الآن حزب العدالة والتنمية نفسه، لأنّ حزب الشعوب الديمقراطي يعتبر مدافعاً عن الحكم الذاتي في كردستان. يتحدث حزب العدالة والتنمية اليوم عن «تركيا القديمة»، أيّ تركيا قبل محاولة الانقلاب في تموز 2015 فهو يتبنّى اليوم السياسات الأمنية المتشدّدة التي كان يعارضها سابقاً.
والواقع أنّ الأطراف جميعها في تركيا تتعايش الآن وكأنها ركيزتان لنظام إسلامي قومي يقوده أردوغان. والواقع أنه عندما تذهب السياسة في تركيا في اتجاه معين، كلّ شيء آخر يتبع وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية حتى مفهوم «الحقيقة» ذاته. وهو اليوم في يد أردوغان. معظم الأتراك قلقون اليوم من موقفي أوروبا وأميركا تجاه الأكراد ويقفون بقوة ضدّ الحركة الانفصالية الكردية. اما إيران التي ساعدت بغداد بعد استفتاء الانفصال الذي أجري في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي في استعادة الأراضي المتنازع عليها من قوات البيشمركة الكردية وسعت نفوذها في العراق، وشجّعت وحدات الحشد الشعبي على المشاركة في كركوك، لكنها الآن تستعدّ لمعاودة علاقاتها مع كردستان العراق. ولعلها المرة التي تلتقي فيها كلّ من إيران والولايات المتحدة على الموقف نفسه في معارضتهما للاستفتاء، ودفع العبادي إلى التوافق مع الأكراد.
تريد إيران استئناف التجارة مع إقليم كردستان العراق بعد إغلاق معابرها البرية. وهي الشريان الحيوي لحياة اقتصاد كردستان. وكانت قد فتحت في وقت سابق أحد معابرها الحدودية إلى كردستان العراق في أكتوبر الماضي أما رئيس الوزراء في إقليم كردستان نيشيرفان برزاني قد طلب من طهران إعادة فتح معابرها الحدودية وتطبيع العلاقات مع حكومة إقليم كردستان، وفتح صفحة جديدة. وسعى إلى إجراء تعديلات مع الدول المجاورة. وقال في يوم 21 نوفمبر إن حكومة إقليم كردستان ستحترم حكم المحكمة الفيدرالية العراقية باعتبار استفتاء كردستان غير دستوري. وقد ساعد ذلك على إقناع طهران بأن الأكراد سيتراجعون بشأن التصويت على الانفصال. خيار كردستان العراق الوحيد هو التفاوض مع جيرانها بما في ذلك إيران. فحكومة إقليم كردستان غير قادرة حالياً على دفع رواتب العاملين في الخدمة المدنية المتضخمة، لذلك خرج المتظاهرون في 18 كانون الأول إلى الشوارع للمطالبة باستقالة القيادة السياسية الكردية. كما أشعل المتظاهرون النار في مكاتب الأحزاب السياسية الرئيسية في بلدة بيراماغرون في محافظة السليمانية، متّهمين الحكومة بالسرقة، ما أدى إلى تدخل شرطة مكافحة الشغب. لا يبدو أن إيران مستعدة لتطبيع علاقاتها مع الأكراد العراقيين بشكل كامل، ما لم يتنازل المسؤولون الذين دعوا إلى الاستفتاء عن مواقعهم السياسية. فالأمر لم يعُد مستبعداً.
|