توقعت أنقرة من زيارة وزير الخارجية الأميركية ريكس تليرسون إعادة ترتيب وتنشيط العلاقات الأميركية التركية، لا سيما انّ تيلرسون هو أول شخصية رسمية في حكومة ترامب يزور تركيا، لكن كما كان متوقعاً فإنّ تيلرسون لم يستطع تطمين تركيا حول المسائل الثلاث الأساسية بالنسبة لها والتي تتلخص باعتراضها على تعاون الولايات المتحدة الأميركية مع قوات سورية الديمقراطية ووحدات الحماية الكردية ومشاركة العشائر المحلية في تحرير الرقة وإهمال هواجس تركيا حليفتها في الناتو من هذا التعاون مع من تعتبرهم ارهابيين، ايّ وحدات الحماية الكردية حلفاء حزب العمال الكردستاني. لكن القرار الأميركي هو قرار البنتاغون ولا يمكن لتليرسون إعطاء تركيا اية وعود في هذا الشأن، اما المسألة الثانية فهي إعادة محمد فتح غولن من بنسيلفانيا حبث يقيم منذ 1999 لكي تتمّ محاكمته بتهمة التحريض والتخطيط للانقلاب الذي حدث في 15 تموز 2016. الا انّ حسم هذا الموضوع يتعلق بوزارة العدل الأميركية وهو في يد القضاء وهذا خارج عن إرادة إدارة ترامب. المسألة الثالثة هي الطلب من تيلرسون لعب دور بناء في العلاقة بين الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس دونالد ترامب، لا سيما وانه المعروف بأنه من الشخصيات الأميركية التي تؤيد علاقات مميّزة مع تركيا، الا انّ واقع تيلرسون في إدارة ترامب لا يخوّله لعب دور من هذا القبيل فهو ضعيف ضمن التسلسل الهرمي لترامب وان كان له ان يتحدث عن أيّ شخص في زيارته فسيكون عن نفسه او إدارته، اذ انه وقبل الزيارة بعدة أيام اي يوم الاثنين 27 اذار تمّ القبض فى الولايات المتحدة على مسئول تنفيذى كبير فى أحد اكبر البنوك المملوكة للدولة فى تركيا بتهمة مساعدة إيران على التهرّب من العقوبات التجارية التي كانت مفروضة عليها قبل الاتفاق النووي، واتهم محمد هاكان اتيلا المدير التنفيذي لشركة «هالك بنك» بالتآمر مع رضا زراب تاجر الذهب الإيراني التركي الذي له علاقات وثيقة مع الحكومة التركية والذي اعتقل في ميامي العام الماضي بسبب تهريب الذهب مقابل النفظ والغاز، لكن تركيا أكدت في حينه انّ الاعتقال سياسي وهي ترى اليوم أنّ الأمر يستمرّ كذلك.
من المحتمل أن تستمرّ أنقرة فى مواجهة مشاكل فى علاقتها مع واشنطن. فزيارة تيلرسون يمكن أن تعتبر جزءاً من جهود واشنطن لمواصلة استرضاء تحالفها مع تركيا ويبدو انه تمّ الاتفاق على عدم الاتفاق حول مجمل القضايا المطروحة حتى الاستفتاء في 16 نيسان..
في الوقت عينه يستمرّ الجدل بين الاتحاد الأوروبي وحكومة أردوغان حول الموقف الأوروبي الذي يوغل في تعميق الخلاف حول الأدلة التي قدّمتها تركيا عن إدارة غولن انقلاب تموز 2016 وتقلل الدول الأوروبية من أهميتها في إدانة الرجل وتبقي على مؤسساته ومدارسه.
وكان رئيس الوزراء التركي بينالي يلدريم قد صرّح قبل ساعات من وصول وزير الخارجية الأميركي تيلرسون إلى أنقرة مساء 29 آذار، أنّ عملية «درع الفرات» قد اكتملت. وكان يلدريم قد خرج من اجتماع لمجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس رجب أردوغان، وقال «إنّ العملية قد اكتملت بنجاح». ويؤكد المسؤولون الأتراك أنّ وظيفة الجيش قد تحوّلت الآن لضمان عودة السوريين من مخيمات اللاجئين في تركيا إلى مدن مثل جرابلس والباب وتوفير احتياجاتهم الأساسية لبدء حياة جديدة هناك.
لا شك انّ تركيا قد عادت إلى طاولة الحوار حول سورية، بفضل عملية درع الفرات التي استمرت 216 يوما، لكنها فشلت في تحقيق هدفها السياسي الرئيسي لإقناع الأميركيين والروس بالتخلي عن وحدات حماية الشعب. من ناحية أخرى، بدأ الأميركيون يتحدثون عن إمكانية وجود اتحاد كردستاني في سورية في المستقبل. ومع إعلان انتهاء الهجوم العسكري التركي على الأراضي السورية، تكون تركيا قد اغلقت بعد ست سنوات فصلا من التدخل التركي في سورية.
لكنها تعيش اليوم حملة شعبوية قومية تهدف الى تعزيز دعم التغييرات الدستورية التي ترمي الى تسليم صلاحيات تنفيذية واسعة الى الرئيس رجب طيب أردوغان. حيث تعمل آلة الدعاية الحكومية بشكل حثيث ويتم استخدام سلطات الدولة وقدراتها في سبيل الترويج لهذه الحملة من اجل تعزيز التصويت «بنعم». تعمل هذه الآلة على خنق الأصوات الرافضة عبر وسائل شتى، بدءاً من انقطاع التيار الكهربائي في أماكن حملات المعارضين المنشقين عن الحركة القومية الذين يتعرّضون لهجمات جسدية، بعد مناشدتهم للناخبين القوميين والمحافظين بالتصويت بـ«لا» على الدستور، الأمر الذي تراه الحكومة تهديداً خطيراً لحملتها.
كذلك قامت الحكومة بإلغاء أحد الأحكام في القوانين الانتخابية في شباط الماضي والذي ينص على فرض عقوبات على شبكات التلفزيون الخاصة والمحطات التي لا توفر تغطية متوازنة وموضوعية للحملات المتنافسة، بموجب حالة الطوارئ السارية منذ محاولة الانقلاب في 15 تموز، وهذا يعني انه بموجب هذا الحكم يتم حجب أصوات المعارضة عن عشرات القنوات الموالية للحكومة.
يخرق أردوغان مبدأ حياد الرئيس ويقود حملته بنفسه ويعتبرها حقاً له بما انه انتخب مباشرة من قبل الشعب ويدّعي انّ التصويت بـ«نعم» يمثل الوحدة الوطنية والسلطة، في حين أنّ التصويت بـ«لا» يدعو إلى التقسيم والخيانة وانّ النظام الرئاسي المقترح يمثل الوحدة، اما النظام االبرلماني القائم يمثل التقسيم ويتمّ تصوير المعارضين على أنهم خصوم الإسلام أو الأمة.
يساوي أردوغان نفسه «بالأمة» ويختصرها بجزء معيّن من المجتمع التركي، ايّ الذين يوالونه وقد ثبت هذه المقولة منذ انتخابه رئيساً في عام 2014. فيما يرى المعارضون انّ انتهاء الاستفتاء لمصلحة أردوغان يعني انه سيأخذ موافقة شعبية على ممارساته التعسفية بعد محاولة انقلاب تموز2016 وسيتمكّن من استخدام نصره لتطبيع نظام حكم الطوارئ. فهل سيعطي الأتراك أصواتهم لأردوغان؟
|