كان اجتماع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان مهماً ليس لكونه الأول منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته سحب قواته من سورية، بل بسبب اقتراحات الحلول التي طرحها الجانب الروسي. عديدة هي القضايا التي بحثت، إذ تناولت مآل منطقة شرق نهر الفرات بعد الانسحاب الأميركي، ونية تركيا إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري، وكيفية وقف تقدّم هيئة تحرير الشام في إدلب، كذلك مستقبل العملية الدستورية في سورية.
بدا الرئيس الروسي مقتنعاً بأنّ الحلّ الأفضل والوحيد هو سيطرة الحكومة السورية وقوات الأمن والهياكل الإدارية السورية على شرق الفرات، موسكو أيّدت إجراء حوار بين دمشق وممثلي الأكراد، لأنّ هذا الحوار سيسهم في توطيد المجتمع السوري والمصالحة الوطنية، وسيكون مفيداً ليس فقط بالنسبة لسورية، ولكن لجميع الدول المجاورة أيضاً.
كانت إحدى أهمّ نتائج الاجتماع بين أردوغان وبوتين في موسكو اقتراح الأخير لصفقة ثنائية بين أنقرة ودمشق لمكافحة ما تعتبره أنقرة إرهاباً. إذ ذكّر بوتين، في مؤتمر صحافي مشترك، بأنّ بروتوكول أضنة بين تركيا وسورية يمكن أن يكون أداة مهمة في معالجة المخاوف الأمنية التركية، بدلاً من إعطاء إجابة مباشرة على السؤال المتعلق بجهود أنقرة لإنشاء منطقة أمنية داخل سورية.
كانت اتفاقية أضنة بين تركيا وسورية قد وقعت بين البلدين في أكتوبر 1998 وهي لا تزال سارية المفعول، مع العلم انّ تركيا تقبع في الأراضي التركية تحت شعار مقاتلة إرهاب داعش وحزب العمال الكردستاني، قصدت موسكو بطرحها اتفاق اضنة ضمان أمن الحدود التركية، الذي بموجبه التزمت سورية بخمس نقاط، تتعلق جميعها بأنشطة حزب العمال الكردستاني، أهمّها:
انّ سورية، على أساس مبدأ المعاملة بالمثل، لن تسمح بأيّ نشاط ينبع من أراضيها بهدف تهديد أمن واستقرار تركيا.
لن تسمح سورية بإمدادات الأسلحة والمواد اللوجيستية والدعم المالي والأنشطة الدعائية لحزب العمال الكردستاني على أراضيه.
كما ينص الاتفاق على تنسيق أمني وثيق بين دمشق وأنقرة حول هذه القضية، بما في ذلك «اتصال هاتفي مباشر بين السلطات الأمنية رفيعة المستوى في البلدين» و «ممثلين خاصين لكلّ منهما في بعثاتهما الدبلوماسية».
هي ليست المرة الأولى التي يحث فيها بوتين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد على إعادة تفعيل هذا الاتفاق. أثارت موسكو هذه القضية في محادثاتها مع أنقرة ودمشق عام 2016. في الواقع، كان بروتوكول أضنة قد وضع أرضية لإصلاح العلاقات بين تركيا وسورية خلال السنوات العشر الأولى من عام 2000، خاصة بعدما تمكن أردوغان والرئيس الأسد من تكوين صداقة خاصة في ذلك الوقت، لكن في عام 2011 حرقت تركيا كلّ الجسور ودخلت طرفاً فاعلاً ومحرّضاً في الحرب وبالطبع تم تعليق البروتوكول.
فضّل بوتين طرح الاتفاق لسببين رئيسيين: الأول من أجل نقل الرسالة مفادها أنّ موسكو تعتقد أنّ إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية فكرة صائبة والثاني يقترح على تركيا وسورية إجراء اتصال من أجل معالجة هذه المشكلة. هذا الاقتراح، بالطبع، له أساس مهمّ اذ ليس سراً أنّ الاستخبارات التركية والسورية تقوم من وقت لآخر بالاتصال ببعضهما البعض للتعامل مع الأمور الأمنية ذات الأهمية المتبادلة.
يعلم بوتين أنه ليس لدى أردوغان أيّ اعتراض على إقامة حوار بين استخبارات البلدين من أجل المصالح الامنية، هذا ما أوحى به وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو عندما تكلم هذا الأسبوع عن الاتصالات بين البلدين.
فكرة إطلاق مبادرتين من قبل موسكو واحدة سياسية بين دمشق والأكراد وأخرى أمنية أيّ التنسيق الأمني بين أنقرة ودمشق تهدف الى تلبية مصالح تركيا وسورية والأكراد. وأوضح بوتين أنّ روسيا تشجع الحوار بين الأكراد ودمشق من أجل الوحدة السورية، مما يعني أنّ تدخلاً عسكرياً جديداً من تركيا إلى سورية سيعطل جهود موسكو. ومع ذلك، كان الرئيس الروسي حريصاً جداً في كلامه على أهمية عدم المضيّ قدماً في إنشاء منطقة أمنية داخل سورية.
اتفق الطرفان اضافة الى شرق الفرات على مواصلة «القتال المشترك ضدّ الإرهاب» في إدلب. يدرك كلاهما أنّ «منطقة التصعيد» كانت تتدهور مع سيطرة هيئة تحرير الشام على معظمها، لكن تمّ تكليف جيوش الدولتين بمواصلة المحادثات حول إجراءات محدّدة يجب اتخاذها في إدلب. ومن المرجح أن يتمّ الانتهاء من تفاصيل الخطة في اجتماع الثلاثي في أستانا قريباً في موسكو.
بالنسبة الى روسيا، تأتي أهمية تركيا من موقعها الجغرافي السياسي. تريد موسكو أن تكون قوة في البحر الأبيض المتوسط كذلك قوة أطلنتية. وهي تحتاج إلى قواعد بحرية في البحر الأسود القرم وشرق البحر الأبيض المتوسط وفي نقاط قريبة من جبل طارق. لذلك هي تحاول إقامة قواعد في ليبيا ومصر. حاولت روسيا خلال السنوات القليلة الماضية تطوير قاعدتها البحرية في طرطوس في سورية. وهي تحتاج إلى مساعدة تركيا. في هاتين القاعدتين العسكريتين اللتين تقعان في النطاق الذي تتواجد فيه الجماعات الإرهابية في إدلب، التي تهدّد أمن قاعدتها في طرطوس والقاعدة الجوية الداعمة لها في حميميم، التفاهم التركي – الروسي الذي بدأ مع إعلان موسكو لعام 2016، ثم محادثات أستانا وسوتشي، من اجل توفير الهدوء النسبي في سورية، هو أمر بالغ الأهمية بالنسبة لروسيا.
لكن بوتين يريد أن يرى كيف ستتطوّر المحادثات الجارية بين تركيا والولايات المتحدة بشأن انسحاب الأخيرة وكيف سيتمكن هذان البلدان من التعامل مع العديد من القضايا المعلقة. أما رغبة أردوغان في منطقة عازلة فلقد تعززت بعد اجتماع موسكو. بينما المفاوضات بين أنقرة وواشنطن تبدو معقدة.
هاجم أردوغان إدارة واشنطن وحثها على الإبقاء على كلمتها حول إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية، وهدّد بأنّ تركيا ستنشئها بمفردها وذلك خلال اجتماع حزبي في مقاطعة أرضروم الشرقية.
يرى بوتين انّ التعاون مع تركيا وتوسع العلاقات بينهما له أثر مضاعف على الأمن الإقليمي. اما أردوغان فهو شدّد على انّ تضامنه مع موسكو يساهم بشكل كبير في الأمن الإقليمي.
يشيد بوتين بإنتاجية محادثاته مع أردوغان والعلاقة مع الرئيس الإيراني حسن روحاني وتشكيل اللجنة الدستورية لسورية في لقاء استانا. وهو يرى أنّ أستانا لا يزال الآلية الأكثر فاعلية لتسوية النزاع في سورية…
|